يعتبر الشباب قوة مهمة ورأسمال بشري يميز كل مجتمع عن الآخر، ولطالما كان وما يزال دوره مهما في عملية بناء وتطوير قدراته سواء المادية أو المعنوية، من خلال المساهمة الكبيرة التي يساهم بها هذا العنصر البشري في عملية التنمية المستدامة سواء داخل مؤسسات الدولة أو حتى هياكل المجتمع.
لأجل هذا كله، اعتبر الشباب رافعة لتنمية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية وكذلك سياسية من خلال مشاركته في إنماء هذه الحقول داخل منظومة الدولة الواحدة، إلى حد اعتبر معه هذا العنصر البشري القوة الدافعة لحركية المجتمع وتطوره، مما استوجب ضرورة إشراكهم في الحياة السياسية عبر تطوير برامج إدماجهم وتحصينها بنصوص قانونية ودستورية محفزة لمشاركتهم الفعالة داخل هذه الحياة، خصوصا في ظل ما أصبح يصطلح عليه بظاهرة عزوف الشباب داخل المشهد السياسي المغربي والتي تعتبر مثار تخوف الكثيرين خصوصا عند قرب المحطات الانتخابية.
والحال هنا أن نسبة الشباب في المغرب تتجاوز 65 في المئة من نسبة السكان، وهو رقم مهم للغاية إذا ما تمت مقارنته مع دول الجوار، حيث يمثل شباب المغرب وحده عشر شباب المنطقة، وهي ميزة مهمة لدولة كالمغرب خطت خطوات مهمة في مسار الدمقرطة والقطع مع إرث الماضي نحو بناء دولة الحق والقانون ،وهو الأمر الذي يجب أن توازيه مشاركة مهمة لشباب المغرب في هذا المسار ومسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهنا وجبت الإشارة الى خطاب جلالة الملك محمد السادس ، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين، خطاب رسم خارطة طريق مغرب جديد أساسها الجدية ،خارطة مؤسسة على مجموعة من الدعامات التي يجب أن يقوم عليها المغرب الجديد ، وأهمها دعامة الشباب.
وفي هذا السياق أشار جلالته الى الملحمة الوطنية التي أبهر بها شباب المنتخب المغربي العالم خلال كأس العالم الأخيرة. رابطا إياها بموضوع القيم التي استهل بها خطابه. على اعتبار أن ذلك الإنجاز الشبابي التاريخي، لم يكن له أن يتحقق لولى التمسك بقيم المغاربة من حب الوطن والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي.
لقد كان ذلك الإنجاز الشبابي التاريخي دعامة قوية للسياسة الرياضية للمملكة،يقول جلالته ، “حين تقدمت بيقين وعزيمة ثابتين بملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 2030، رفقة إسبانيا والبرتغال”.
كما نوه الخطاب أيضا بالطفرة الكبيرة للشباب المغربي على مستوى الابتكار العلمي والصناعي أيضا (إنتاج أول سيارة مغربية محلية الصنع و تطوير أول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين).
وفي هذا الأمر إشارة إلى ما يجب أن يكون عليه المغرب مستقبل ، مغرب الكفاءات الشابة.
لقد جاء دستور 2011 بمجموعة من الضمانات التي نصت على دور الشباب في الحياة السياسية وكانت بمثابة المحفز لها. وبعد مرور عدة سنوات على إصدار الدستور فإن المجلس الاستشاري للشباب لم يتم إحداثه حتى الآن مما يطرح العديد من التساؤلات المهمة عن اسباب هذا التأخير في اخراج احد اهم المؤسسات الدستورية المهتمة بالشباب المغربي مع التأكيد على ضرورة إشراك الشباب المغاربة بالخارج وايجاد ممثلين لهم ليس فقط داخل هذه المؤسسة بل في جميع مؤسسات الحكامة .
كما تجب الإشارة إلى أن نسبة مشاركة الشباب في العمل السياسي وبالرجوع الى بعض الاحصائيات منها ، نجد أن أقل من 35 سنة ممن ترشح وتصوت في انتخابات 2011 وما تلتها من السنوات كانت متوسطة ، كما أن الاستفادة من البرامج الهادفة إلى إشراك الشباب عرفت تطبيقا محدودا ولم يستفد منها إلا فئات قليلة.
ويمكن تلخيص أهم أسباب عزوف الشباب على المشاركة في تسيير الشأن العام في عدة عوامل ، من أهمها ضعف آليات إفراز النخب و تأطيرها خصوص داخل الأحزاب السياسية والنقابات ، وفقدان الشباب الثقة في هذه المؤسسات لما تعرفه من طابع تقليدي في استقطاب هذه الفئة، وهو ما يبلور فكرة أساسية بأن الشباب غير عازف عن الممارسة السياسية بقدر ما هو عازف عن ولوج الأحزاب السياسية باعتبارها الآلية الرئيسية في تفعيل المشاركة ، وندرة التكوين والتأطير الفعلي لفئة الشباب، مما يترجم غياب استراتيجية واضحة لإدماج هده الفئة في تسير الشأن العام بالمملكة، وبالتالي المساهمة في الحياة السياسية عموما ، وضعف إلمام واهتمام الشباب بالحقل السياسي و التعامل مع قضايا الشباب في البرامج السياسية للمنتخبين والأحزاب السياسية كمنشطات انتخابية فقط .
فهل باستطاعة صانعي القرار الوطني العمل وفق خارطة الطريق الجديدة التي ارسى دعائمها خطاب العرش لهذه السنة و ايلاء اهمية كبرى لقضايا وتطلعات الشباب المغربي والعمل على مشاركته مشاركة فعلية في التنمية المحلية والجهوية والوطنية كتنزيل فعلي للنمودج التنموي الجديد ؟
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.