فإذا كان كتاب ( حول مائدة الغداء) للعلاّمة الفقيد المختار السوسي قد أرّخ لعمق وتجدر الدولة المغربية وحضارتها الدّالة من أين جئنا
فإن صورة مائدة الإفطار اليوم على شرف ضيف جلالة الملك والمغرب – لا شك – أنّها ستؤرخ إلى أين نسير كاستمرارية طبيعية لهذا النضال الوطني الذي بدأ مع الجارة الشمالية والمرتبط في ذهننا كمغاربة، بمسار استكمال الوحدة الترابية التي انطلقت منذ 1956 وتميز بالتدرج وبخوض العديد من المعارك السياسية والعسكرية والشعبية انطلاقا من استرداد طرفاية سنة 1958 ثم في المسيرة الخضراء سنة 1975، واعتبر التدخل الميداني النظيف لجيشنا في الكراكارات وما لحقه من ضم أجزاء من الصحراء غرب وشمال الجدار الأمني، جزءا من هذا المسلسل الذي طويت صفحته اليوم على مائدة إفطار رمضاني وفي أقصى تجلياته الروحية.
هي صورة مائدة على شرف ميلاد أهم تحالف جيوسياسي دولي أضحى فيه للمغرب دوراً حاسما في صنع القرار بين الضفتين..
ولا مبالغة في ذلك.. فقبل ان تقلع طائرة رئيس الحكومة الإسبانية اليوم نحو الرباط صرّح وزير خارجيه السيد ألباريس للصحافة هناك بما يلي ( جميع وزراء خارجية حلف الناتو أثناء اجتماعهم بلجيكا اليوم عبروا عن سعادتهم بهذه الزيارة التاريخية للمغرب)
هي مائدة إفطار ملكية استثنائية ومع ارتفاع آذان صلاة المغرب وبهذه الطقوس المغربية الأصيلة لباساً ومتاعاً يكون اللقاء أقرب إلى الإحتفال بالضيف منه إلى المفاوضات.. فبيننا وبين جارتنا الشمالية تاريخ مليء بالكثير من المنعرجات والبياضات…فقد كان المغاربة بالأندلس.. كما جاء الإسبانيون إلى المغرب..
هو التاريخ المشترك بين المملكتين بشهادة الضفتين كإعلان عن نهاية وتصفية هذا النصب التاريخي على أقاليمنا الجنوبية..
هي مائدة المواقف لقادة كبار التقطوا اللحظة من أجل الأجيال القادمة كي تصبح ضفتي البحر الأبيض المتوسط فضاءاً نتسابق فيه من أجل النماء والإزدهار..
هي مائدة إفطار بعنوان صغير : مغرب الغد…
وهو ما يفسر تصريح السفير المغربي السيد عمر هلال مؤخراً بمقر الأمم المتحدة :
“.. لن يعود إلى أرض الوطن إلا من كان مسجلا في لوائح إحصاء الإدارة الإسبانية لسنة 1974، و وأن من هم غير ذلك فهم مواطنون جزائريون حسب منظور القانون الدولي..”
بهذا التصريح يكون المغرب قد أنهى بشكل نهائي مرحلة الترافع عن مقترحه لينتقل إلى عملية أجرأته بتحديد من هو الصحراوي المعني بالإقتراح بإشهار وثيقة إحصاء 1974.. وبهذا المعنى نكون قد دخلنا مرحلة التفاصيل بعد اللآت الثلاث التي حددها الخطاب الملكي الأخير..
ليكون هذا التصريح أيضاً قطيعة بين صحراويي المقبور بومدين ومن تلاه من جهة وصحراويي حزب بوديموس في الجهة الأخرى..
هو تصريح استباقي لمن يعنيهم الأمر بالأساس كي يلحقوا قبل إغلاق هذا القوس قريباً..
ولا يعني هذا التصريح بالمرّة أولئك الذين ما زالوا يؤرخون الصراع بالمنطقة انطلاقا من رمال 1963..
ولن نبقى رهين انتظار وصول القمح من نظام أصرّ وبشكل متعمد قطع أنبوب الغاز كإجراء عقابي.. فمثل هذه الشخصيات الإنفصامية لا تقام له موائد الإفطار.. بل موائد خاصة بالدعاء والشفاء لهم من مرض ( مغربفوبيا) بدأ انتشاره منذ 1963 وما زال..
فالحمد لله أننا لا نشبههم.. أو كما قال ثرثارالمرادية
يوسف غريب