كشف الكاتب العالمي الشهير مارتن وولف، في مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن الديون الضخمة تجعل الاقتصاد العالمي أكثر هشاشة مما كان عليه قبل 40 سنة.
وأشار الكاتب إلى أن هناك العديد من الأزمات التي تكالبت على الاقتصاد العالمي اليوم، وفي مقدمتها التضخم المرتفع بشكل غير متوقع، والحروب في المناطق الرئيسية المنتجة للسلع الأساسية، وانخفاض الأجور الحقيقية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، والمخاوف من تشديد السياسة النقدية والاضطراب في أسواق الأسهم.
وأوضح ذات المتحدث أن هذه السمات كانت مهيمنة على الاقتصاد العالمي في سبعينيات القرن الماضي، حتى أوائل الثمانينيات، مع معاناة الولايات المتحدة من التضخم وتخبط البلدان النامية في أزمات الديون، فضلا عن حدوث تغييرات ضخمة في السياسة الاقتصادية.
بين الماضي والحاضر
أبرز وولف -في مقاله- أن أوجه الشبه بين الفترة الحالية وتلك الفترة الماضية، خاصة السبعينيات، تبدو واضحة مع بعض الاختلافات، مشيرا إلى أن هناك أخطاء يجب تجنبها، ومنها عدم الإفراط في التفاؤل، وعدم أخذ التضخم المرتفع على محمل الجد، وعدم ترك الأشخاص والاقتصادات الضعيفة من دون حماية ضد الصدمات وتداعياتها المؤلمة.
ويرى الكاتب أن التضخم الحالي أشبه بمثيله في سبعينيات القرن الماضي، حين شهد الاقتصاد العالمي صدمات ترافقت مع حرب أكتوبر 1973 والحرب الإيرانية العراقية التي بدأت عام 1980، بينما في الوقت الحالي هناك كورونا وحرب روسيا على أوكرانيا.
والأهم من ذلك، حسب الكاتب، هو أن صانعي السياسة كانوا يميلون إلى إلقاء اللوم على عوامل مؤقتة في ما يخص التضخم، تماما كما هو الوضع حاليا.
ومع أن الاقتصادات تبدو أكثر مرونة الآن مما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن كثرة التفاؤل قد يأتي بنتائج عكسية، حسب تعبير وولف.
وحذر ذات المتحدث من أن تشديد السياسة النقدية لفترة طويلة قد يؤدي إلى ظهور أزمات ديون فوضوية ومكلفة، كما حذر من إمكانية وقوع مزيد من الاضطرابات وقفزات الأسعار، بسبب غياب التكهنات بشأن وضع فيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا وعلاقة ذلك بتعثر الصادرات.
حالة عدم اليقين
وفقا لتقرير نشره موقع صندوق النقد الدولي في شهر أبريل الماضي، فإن العالم يعيش فترة محفوفة بالخطر ويواجه حالة من عدم اليقين، وذلك بعدما انضافت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى جائحة كورونا المستمرة ومشكلات أخرى سبقت هذه الجائحة.
وأضاف التقرير أن الديون وصلت بالفعل إلى مستويات عالية للغاية قبل فرض إجراءات الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا، في حين أسهم الدعم الاقتصادي غير المسبوق للحكومات في تحقيق استقرار الأسواق المالية وتيسير أوضاع السيولة والائتمان بالتدريج في مختلف أنحاء العالم.
ولفت صندوق النقد الدولي إلى أن الحرب في أوكرانيا جاءت لتضيف مزيدا من المخاطر إلى مستويات غير مسبوقة من الاقتراض العام، في وقت لا تزال فيه الجائحة تفرض ضغوطا على كثير من الموازنات الحكومية.
وحسب التقرير نفسه، فقد ارتفعت معدلات العجز وتراكمت الديون خلال الجائحة بوتيرة أسرع كثيرا، ما خلف حالة من “الكساد الكبير” وتسبب في خلق “أزمة مالية عالمية”.
ووفق قاعدة بيانات الدين العالمي لدى صندوق النقد الدولي، فقد قفز الاقتراض بمقدار 28 نقطة مئوية وبلغ 256% من إجمالي الناتج المحلي في 2020.
هذا، وساهمت الحكومات بنحو نصف معدل الزيادة سالفة الذكر، كما ساهمت الشركات غير المالية والأسر بالبقية، في حين يمثل الدين العام ما يقرب من 40% من مجموع الدين العالمي، وهي أعلى نسبة بلغها على مدى نحو 6 عقود.