تـفروت لـحسن
خلد المغرب اليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة الذي يصادف 30 مارس من كل سنة، والذي يتبعه الاحتفال باليوم العالمي بطيف التوحد الذي هو يوم 02 أبريل، علما أن العالم يخلد اليوم العالمي للإعاقة يوم 03 دجنبر من كل سمة. و تعتبر هذه المحطة مناسبة لتقييم ما تم انجازه لفائدة هذه الفئة، وما ينتظر تحقيقه. وللعلم، فالمغرب قطع أشواطا محمودة في هذا المجال، حيث تم أنشاء وزارة للتضامن والأسرة منذ سنوات، كما تغي اسم وزارة الصحة ليتضمن الحماية الاجتماعية الى جانب الصحة، كما تم اعتماد قانون اطار رقم 97-13 يخص الأشخاص في وضعية إعاقة، ويحدد حقوقهم وواجبات الدولة والمجتمع بما فيها حقهم الإنساني في التربية والح والرعاية الاجتماعية، كما تم تنظيم بحث وطني حول هؤلاء الأشخاص على الصعيد الوطني، يضاف لكل هذا الإهتمامات القطاعية، كإبداء الرأي حول الإعاقة المنجزمن طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والقانون الاطار رقم 51-17 الخاص بالتعليم، وتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول مسألة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. دون أن ننسى اللقاءات والدراسات التي تفعلها جمعيات المجتمع المدني الفاعلة في القطاع.
يتبين إذن، أن موضوع الأشخاص المغاربة في وضعية إعاقة له أهمية وراهينة, وليس ذلك بغريب ما دام الإحصاء العام للسكان والسكنى يشير إلى أن 6.8 في المائة من الساكنة هي في وضعية إعاقة، بما يقارب إثنان مليون نسمة، بل أن الدراسات الدولية تشير أن من بين أربع عائلات تكون واحدة متضمنة لحالة إعاقة.
ورغم هذا الاهتمام، ورغم المجهودات التي تقوم الدولة المغربية وحكوماتها المتعاقبة منذ 1998 لصالح فئة الأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة ما يتعلق بتوفير البنيات الأساسية واعتماد البرامج الدامجة، فإن مجال الأشخاص ذوي الاحتياجات ما زال يحتاج للمزيد من الدرس وتعميق النطر واقتراح آليات تيسر التدبير الجيد في التعامل مع هذه الفئة وتيسير اندماجها الايجابي والسلس في المجتمع، باعتبارها فعالة في دينامية التنمية البشرية، خاصة أنها تمثل الرأسمال اللامادي الذي يعتر رافعة للنهوض بالمجتمع.
وغاية هذا القول هو تقديم ملاحظات حول موضوع الإعاقة ومقاربته من وجهة نظر اجتماعية، أي وجهة نظر الأخصائي(ة) الاجتماعي(ة) الذي يصاحب هؤلاء الأشخاص ويعاشرهم عن قرب، بشكل يجعلهم يشاركونهم أحاسيسهم، معاناتهم، آمالهم وآلامهم. فالأخصائي الاجتماعي يناضل في هذه الواجهة بالقول بالفعل، بالممارسة عبر المصاحبة المنتظمة. حيث أن نظر هذا الفاعل أشبة بالسباح المنقذ الذي يغطس لينقدهم، وليس بالمتباكي الذي يصيح ليرتيهم. فكيف يقارب الفاعل الاجتماعي مسألة الإعاقة؟
تتحدد الإعاقة بعدة معايير يمكن تلخيصها في ثلاثة: أولا القصور في وظائف الجسد، وثانيا محدودية القدرات في أداء الوظائف، وثالثا عدم المشاركة في الجماعة والتفاعل مع الأغيار. وبهذه الخاصيات تتنوع الإعاقة وتتعدد، فنجد منها ما يتعلق بالجسد ومايشمل الذهن وما يرتبط بالنفس…
وتتباين المقاربات التي تتناول الشخص في وضعية إعاقة، فمنها المقاربة الطبية التي تشخص الحالات وتقترح علاجات وأدوية، خاصة العضوية. وهناك المقاربة الحقوقية المتضمنة في القوانين والاتفاقيات الدولية والمواثيق،وهي التي تحدد الحقوق والواجبات واليات التعامل مع هذه الفئة. هناك من يضيف المقاربة الخيرية التي تدعو للرعاية بهذه الفئة وفق منطق الرأفة.
لكن المقاربة الاجتماعية لم تنل حظها من الاهتمام. هذه المقاربة تقول أن الإعاقة الحقيقية لصيقة بالمجتمع، فالمجتمع هو المسؤول عن تخفيف الإعاقة او الزيادة في حدثها، فالتربية والوسط ومؤسسات النتشئة الاجتماعية والسياسة الاجتماعية للدولة… هي التي تتحكم في الإعاقة سلبا او ايجابا.
فهذه المقاربة تقول أن الشخص لا يولد معاقا، لكن المجتمع هو الذي يجعله كذلك. ويستدل على هذه الفرضية بكون شخصيات تاريخية مشهورة في مجال الأدب والفن والسياسة والعلم… تغلبوا على الإعاقة بفضل مساعدة المجتمع لهم وبتوفير الشروط الكفيلة بنجاحهم. وبالعكس نجد أشخاصا كانوا يتمتعون بصرة فائقة وإمكانيات ذهنية هائلة على مستوى الذكاءات المتعددة، لكنها أجهضت بسبب غياب مساعدة المجتمع. ولقد أتبثت دراسات علمية حول أشخاص لهم نفس الإعاقة كاضطراب التوحد، لكنهم وصلوا الى وضعيات مختلفة بين الانبثاق والهدر، بين السقوط والترقي.
ويعتبرا لأخصائي الاجتماعي هو الشخص المؤهل للعمل في أي مجال من المجالات الاجتماعية، على اختلاف أهدافها التنموية، والمساهمة في عملية التنشئة الاجتماعية، وتفعيل عمليات الدمج الاجتماعي في إطار سوسيولوجية القرب ضمن المفاهيم التي تتضمنها الخدمة الاجتماعية على اختلافاتها الفلسفية، مع ثباته على المبادئ والمعايير الأخلاقية التي تقوم عليها.
واستنادا لهذا الدور، يساهم الأخصائي الاجتماعي في بناء تصور جديد للأشخاص في وضعية إعاقة. فهو يساهم في خلق براديغم اخر، ويقترح مقاربة جديدة، ويخلق شروط جديدة في التحليل والتناول. ومن بين بعض المحاور التي يمكن أن تتناولها المقاربة الاجتماعية لمسألة الإعاقة، نذكر:
– تصحيح النظرة الاحتقارية: يساهم الأخصائي الاجتماعي في تصحيح الصور المهترئة عن الشخص ذي إعاقة. وهذه الصور هي التمثلات الثقافية والاجتماعية التي تجري بها ألسنة الجمهور، أي الفهم الشائع والحس المشترك حول الإعاقة. إنها الصور النمطية التي تسيء للشخص ذي الإعاقة باللفذ والقول أو بالفعل، وهذا ما يلزم عنه أصناف من التنمر وأساليب التجريح. ومن المعلوم أن التداول اليومي المغربي يتضمن نعوثا سابية عن الإعاقة سواء الجسدية أو الذهنية والنفسية، بالدارجة والأمازيعية والفصحى العربية. ومن ذلك مثلا: ” الأعرج والأعور والأطرش…”، بل من الناس العوام من يعتقد أن الإعاقة هي سخط من الله أو عقاب إلهي. وتتضمن التعابير اللغوية صيغ قدحية مليئة بمعاني الإحتقار والتهكم على الشخص المعاق، من ذلك: ” ظل من اهتدى بالعميان “، ” نية الأعمى في عكازه “، ” لا يعور ولا يعرج الا البلا المتسلط “… وهذه الأوهام التداولية تؤثر سلبا على الشخص في وضعية إعاقة.
أمام هذا الوضع غير الصحي، يتحمل الأخصائي الاجتماعي مهمة مجابة هذه السلوكات وما يترتب عنها من إهانة وتجريح للأشخاص في وضعية إعاقة وذويهم، بل والإساءة للإنسان وللمجتمع لأن الشخص في وضعية إعاقة هو إنسان وعضو اجتماعي في كامل مواطنته.
– تعديل معنى العمل الاجتماعي مع الشخص ذي إعاقة:
غالبا ما تكون مهمة المساعد والعامل والأخصائي الاجتماعي مبهمة وغير واضحة، خاصة إذا كان هؤلاء غير عارفين بمقتضيات المهمة وبأدبياتها، خاصة في التدخل في مجال الإعاقة، حيث تبين أن بعض المؤسسات وبعض المنتسبين للعمل الجمعوي، يخلطون بين مهمة المصاحبة الاجتماعية و مهمة الوعظ والإرشاد، ومن تم يعتبرون العمل الاجتماعي في مسألة الإعاقة هي من باب الإحسان la compassion والرحمة la charitéوالشفقة la pitié بخلفية دينية ضيقة، لأن هذا البراديغم يخلق جدلية القوي/الضعيف، وينتج الإحساس بالدونية، بل إن هذا التصور يضاد المعالجة الاجتماعية التي هي مسؤولية علمية وادارية وحقوقية واجتماعية وسيكولوجية، حيث يكون ضروريا التجرد من أحكام القيمة والأحكام المسبقة وما يترتب عن ذلك من أساليب غير ملائمة. ورغم أهمية سلوك الرأفة والتعاطف في التعامل مع هذه الفئة، فإن منطق الوعظ والإرشاد يبقى حبيس منطق الأمر في النهي والمنكر.
– توسيع دلالات الإعاقة: شاع بين المشتغلين أن معنى الإعاقة تتم مقاربته بمعيار الاضطراب النفسي أو الاعتلال الجسدي الفطري الذي يولد مع الإنسان، مع الإحالة إلى مرحلة الطفولة والمراهقة. لكن المقاربة الاجتماعية تمنح أفقا دلاليا واسعا لمفهوم الإعاقة، فنجد، إلى جانب المعاني التقليدية، معنى الإعاقة المتقدمة والإعاقة المتأخرة، ويمكن أن نتحدث عن الإعاقة المكتسبة كالناجمة عن الخطأ الطبي أو حادثة سير أو عملية جراحية بسبب مرض ما. بل يمكن إضافة أمراض الشيخوخة مثل الزهايمر أو فقدان الذاكرة. وهذه الدلالة المتسعة للشخص المعاق تضع العامل الاجتماعي أمام تحد صعب لمواجهة الاعاقة بطرق أقوى وأنجع.
– تجنب أسلوب الاتهام: غالبا ما يطغى على العمل الاجتماعي الجمعوي في علاقته بالإعاقة خطاب التيئيس أمام غياب الوسائل والموارد اللازمة للقيام بالمهمة، ويتم ذلك بأسلوب الإتهام وتحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية ملف الإعاقة. ومعلوم أن صاحب هذا الخطاب هو بعض السياساويين وبعض الذين يخلطون بين الجمعي والسياسي الضيف، بين العمل الاجتماعي والحزبي. هذا الخلط يدفع الأخصائي ليتخذ مسافة البعد والامان مع هذا الموضوع. إذ عليه أن يتجنب الانسياف وراء الذاتيات وينكب على تكوين نفسه في خدمة الّإعاقة.
– المقاربة الإجتماعية للإعاقة: حالة التربية الدامجة بالمغرب.
عرفت الساحة التعليمية المغربية في الأيام الأخيرة من سنة 2022، تحركا كبيرا للمصالح الخارجية للوزارة الوصية، وأطرها، حول ” التربية الدامجة ” وتعميمها بناء على ما صرح به القانون الاطار 51/17، حيث جعل من غايات المنظومة التربوية المغربية هي ” تعميم تعليم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال جون تمييز”. هذا الخيار البيداغوجي زكته توجهات النموذج التنموي الجديد. ويسعى برنامج التربية الدامجة إلى رعاية الطفولة عامة، ورعاية الأطفال في وضعية إعاقة خاصة، وذلك عبر اعتماد نموذج وبراديغم ملائم لفائدتهم، وكذا تمكينهم من الاستفادة الكاملة من حقهم في التمدرس مع نظرائهم التلاميذ في الأقسام العادية، عبر الانتقال من تجربة أقسام للإدماج المدرسي. Classe d’integration et d’inclusion scolaire، إلى القسم الدامج. وتم بهذا الخصوص إعداد الإطار المرجعي للإعاقة والأدلة البيداغوجية للتربية الدامجة الخاصة بالأستاذ والمدير والأسر.
يمكن تثمين هذه المبادرة التي لا يرفظها إلا جاحد. لكن أسئلة كثيرة تواجه هذا الاختيار, ومن ذلك مثلا: هل الوسط المدرسي مؤهل لاحتضان التربية الدامجة؟ هل تم تكوين أساتذة القسم العادي، القدامى والجدد، لترجمة بيداغوجية وديداكتيكية للإشراف على هذا النوذج؟ وهل انفتحت الوزارة على المؤسسات البحثية والفاعلين الممارسين في هندسة هذه المقاربة؟
نثمن المبادرة مع ضرورة إغنائها بدعوة كل الفاعلين والمنظرين بالدرس والنظر والتقويم.