المغرب و الإمارات : علاقات شد وجذب لا تعرف المستحيل
افتتاح قنصلية الإمارات العربية المتحدة في مدينة العيون
أثار افتتاح قنصلية الإمارات العربية المتحدة بمدينة العيون المغربية موجة استغراب في الأوساط العربية، خاصة بعدما عرفت العلاقات بين البلدين توترا ملحوظا في السنين الأخيرة.
وقد أعلن بلاغ للديوان الملكي يوم الثلاثاء المنصرم، 27 أكتوبر2020 عن إجراء الملك محمد السادس اتصالا هاتفيا مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أخبر بن زايد ملك المغرب عن قرار بلاده افتتاح قنصلية الإمارات العربية المتحدة في مدينة العيون، وبهذا تكون الإمارات أول بلد عربي يفتتح قنصلية له بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي هذا السياق، ذكر المحلل السياسي والمتخصص في العلاقات الدولية، رشيد لزرق، أن إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة فتح قنصلية عامة لها بمدينة العيون، كبرى مدن الصحراء المغربية، “رسالة واضحة لخصوم المملكة في هذا الظرف تحديدا”. وأضاف لزرق في تصريح له مع أحد المواقع الإلكترونية بالجهة “أن إقامة قنصلية إماراتية في الصحراء المغربية هي بمثابة خطوة في اتجاه إرجاع هذه العلاقات لمكانتها الطبيعية، والتي من المنتظر أن تتبعها خطوات مماثلة من باقي دول التعاون الخليجي في إطار دعم الوحدة الترابية للمملكة”.
توتر العلاقة بين البلدين في الظرفية الأخيرة
وبالعودة إلى العلاقة بين المغرب و الإمارات العربية المتحدة ، فإنه لم تكن هناك أية مؤشرات عن إمكانية إقامة تعاون دبلوماسي جديد بينهما، خاصة بعد دخول العلاقات بين البلدين منعطفا من التوتر قلب موازين الشراكة الاستراتيجية التي وضعت دولة الإمارات في صدارة الدول العربية المستثمرة في المغرب، و وصل الأمر حد تخفيض المغرب تمثيليته الدبلوماسية على التراب الإماراتي، بسحب سفيره في أبوظبي شهر مارس الماضي ، وكان ذلك عقب سحب الإمارات أيضا سفيرها بالرباط لأزيد من عام.
كما أن اتخاذ المغرب موقف الحياد تجاه الأزمة الخليجية، وانخراط ملك البلاد في الجهود الرامية إلى إخماد فتيل الأزمة المشتعلة بين الإخوة الخليجيين زاد من فتور العلاقات بين البلدين، وذلك إضافة إلى تعزيز المغرب لموقفه الحيادي من الأزمة الخليجية بإرسال طائرة مساعدات غذائية إلى قطر مع بداية الحصار، أتبعها الملك محمد السادس بزيارة إلى الدوحة وُصف خلالها بكاسر الحصار. لكل هذه الأسباب، لم تستسغ الإمارات هذا التحرّك الذي جاء عكس توقعاتها من طرف أحد حلفائها التقليديين، فما الذي يجعلها اليوم تحيد عن موقفها السلبي تجاه المغرب وتتخذ موقفا جديدا ؟
سيناريوهات
على المستوى الدبلوماسي :
لجوء المغرب إلى ما يسمى ب”دبلوماسية القنصليات” في ظل أجواء التوتر في منطقة المعبر الحدودي الكركرات الرابط بين المغرب وموريتانيا ليس أمرا اعتباطيا، بل إن فتح تمثيليات دبلوماسية على الأراضي الجنوبية للمملكة يؤكد الوحدة الترابية للمغرب، و بالتالي فإن فتح الإمارات العربية المتحدة قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب هو حتما قرار يدعم الوحدة الترابية للمملكة، كما أنه تأكيد على سيادة المغرب على كافة أقاليمه الجنوبية بما فيها الصحراء المغربية.
وأيضا، قد ترغب الإمارات من خلال افتتاح قنصلية لها بالعيون أن تستميل دعم المملكة في قضية جزرها الثلاثة المحتلة من طرف إيران منذ 1971 (جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى و أبي موسى)
على المستوى الاقتصادي :
تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مراتب مهمة عربيا من حيث حجم استثماراتها في المغرب، حيث استثمرت في عدة قطاعات استراتيجية بمليارات الدولارات في مجال السياحة والعقار والخدمات. و استمرار توتر العلاقة بين البلدين يعيق المصالح الاقتصادية لكليهما.
و إلى جانب ذلك، يُعدُّ المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه إفريقيا وأوروبا نظرًا لموقعه الجيو-ستراتيجي، الأمر الذي سيمكن مستقبلًا دول الخليج من التوسع اقتصاديًّا في هذه المناطق من خلال الاستفادة من خبرة المغرب وعلاقاته الجيدة مع باقي بلدان القارة السمراء.
هذا، ويبدو أن العلاقات الدولية لا تعرف الرسو على منطق معين، إذ أنها قابلة للتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والظروف المحيطة بها، ولعل المسار الجديد للعلاقات المغربية الإماراتية خير مثلل على ذلك.
سكينة نايت الرايس – أكادير 24