المغرب… العودة إلى الحجر الصحي بين الحقيقة و المغالطة
خوف وترقب و أخبار زائفة
يعيش الشارع المغربي منذ حوالي أسبوعين على وقع تداول أخبار عودة فرض الحجر الصحي بالمملكة، خاصة بعد تصريح مسؤولين بكون هذا الأمر وارد جدا في حال تفاقمت الوضعية الوبائية بالمملكة وارتفعت حصيلة الوفيات بها.
ولعل ما زاد الطين بلة، هو انتشار العديد من الشائعات و تداول بلاغات مزيفة باسم الحكومة في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفرض إعادة تشديد محاربة الأخبار الزائفة لتهدئة نفوس المغاربة خاصة وأن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أكد في مناسبات عديدة على أن الأخبار المتعلقة بالوضعية الوبائية يتم الإعلان عنها رسميا في وسائل الإعلام العمومي الموثوقة.
محاربة التضليل
تحركت السلطات مؤخرا لفتح تحقيق في ملابسات نشر بلاغ يزعم “انعقاد مجلس الحكومة يوم الأحد الماضي، خصصت أشغاله للمصادقة على إعادة الحجر الصحي الشامل بكافة ربوع المملكة لمواجهة وباء كورونا (كوفيد 19) وذلك ابتداء من يوم الإثنين 2 نونبر”، وقد أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط بلاغا بهذا الخصوص، أكد فيه على أنه تم “تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء بفتح بحث حول ظروف وملابسات صدور وتداول البلاغ الكاذب المذكور”.
حصيلة قياسية في يوم واحد
هذا ، و أعلنت وزارة الصحة يوم أمس الأربعاء عن تسجيل 5745 حالة إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا المستجد، وذلك حتى حدود الساعة السادسة مساء، ليرتفع العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بالمملكة إلى 235310 حالة.
وعرفت حالات الوفيات بدورها ارتفاعا، إذ توفي يوم أمس 82 حاملا للفيروس، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 3982 حالة، وإلى جانب ذلك تماثل للشفاء 3977 مصابا، ليبلغ عدد المتعافين من الفيروس في حصيلته الإجمالية 193886.
عودة الحجر الصحي واردة !
لم تستبعد الجهات الوصية في مناسبات عديدة عودة الحجر الصحي في المغرب، ومنها وزير الصحة خالد آيت الطالب، الذي صرح خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب خلال الأسبوع المنصرم، بأن المغرب يعيش ” انتكاسة” يمكن أن يلجأ على إثرها إلى إعادة فرض الحجر الصحي.
وأيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بدوره ما جاء على لسان آيت الطالب، إذ صرح خلال جلسة برلمانية عقدت أول أمس الثلاثاء، بأن ” لا أحد يتمنى العودة إلى الحجر الصحي الشامل، لما له من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية هائلة، لكنه يبقى خيارا ممكنا إذا خرج الوضع الوبائي عن السيطرة.” كما حذر العثماني من ” أن أي تدهور في الوضع الصحي سيضطر الحكومة إلى تشديد أكبر في الإجراءات الاحترازية الجماعية”.
من جهته، أكد معاذ المرابط منسق المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة بوزارة الصحة، في تصريح إعلامي، أن قرار فرض الحجر الصحي لا يرتبط فقط بالحالة الوبائية، وإنما هو قرار سيادي مرتبط بعدة جوانب تحددها الحكومة، خاصة لما له من تداعيات اقتصادية واجتماعية، كما أن إجراءات الإغلاق التام تأخذ انطلاقا من المعطيات الصحية التي تفيد تفاقم الوضع الوبائي في بلد ما، والحال أن المغرب لم يصل “بعد إلى هذا المستوى”.
هذا ، وقد عزى منسق المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة بوزارة الصحة، ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا بالمملكة إلى الرفع من أعداد الفحوص التي تجرى للمشتبه في إصابتهم بالفيروس كل يوم، حيث يحتل المغرب الرتبة الثانية إفريقيا من حيث اختبارات الكشف عن كوفيد 19، إضافة إلى حالة التراخي التي سادت في صفوف بعض المواطنين الذين خففوا من التدابير الوقائية والاحترازية منذ رفع الحجر الصحي الشامل شهر يوليوز الماضي.
توقعات…
من المتوقع أن تكون لعودة الحجر الصحي تداعيات سلبية على المستوى الاجتماعي، يتمثل جلها في عدم قدرة صندوق جائحة كورونا على توفير الدعم المالي للفئات الهشة شهريا كما هو الحال في السابق، إلى جانب إمكانية ارتفاع مستويات البطالة في صفوف معيلي الأسر.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد حذر خبراء مغاربة من أن الكلفة الاقتصادية لحجر صحي جديد ستكون مرتفعة، خاصة وأن الاقتصاد الوطني لم يتعاف بعد من تداعيات أشهر الإغلاق التام التي فرضها المغرب منذ 20 من شهر مارس إلى 20 من شهر يونيو الماضيين.
وفي السياق ذاته، كشف صندوق النقد الدولي يوم الإثنين الماضي عن معطيات جديدة تتوقع انكماش الناتج الداخلي الخام للمغرب، قدر بحوالي 6 إلى 7 في المئة خلال السنة الجارية، مع ارتفاع في عجز ميزانية المملكة.
حجر جزئي أم كلي ؟
في ظل التوقعات السالفة الذكر، من المرتقب أن يستمر المغرب في سياسة الحجر الصحي الجزئي التي بدأ فعلا بتطبيقها منذ شهر شتنبر الماضي، وذلك من خلال فرض تدابير مشددة في الأقاليم والمدن التي ترتفع فيها نسبة انتشار الفيروس، واعتماد رخص التنقل من وإلى هذه المناطق، إلى جانب إجراءات الإغلاق الليلي، و تحديد أوقات فتح وإغلاق الأسواق وغيرها من الأماكن المكتظة.
وفي هذا النطاق، تبرز مدينة الدار البيضاء ضمن المدن التي تشهد أكبر عدد من القيود لمواجهة تفشي الوباء، بعد أن احتلت العاصمة الاقتصادية المرتبة الأولى من حيث سرعة انتشار الفيروس باستحواذها على نصف إجمالي الإصابات والوفيات المسجلة على الصعيد الوطني. وفي المقابل يبقى تخفيف القيود في مناطق أخرى لا ينتشر فيها الوباء بشكل مقلق احتمالا وارد في مستقبل الأيام.
وقد أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة التي خصصت للسياسيات الحكومية لمعالجة تحديات الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ظل تداعيات جائحة كورونا، على أن جميع القرارات التي تتخذها البلاد هي قرارات وطنية سيادية، تبنى انطلاقا من معطيات دقيقة، موضحا أن هناك هيئات علمية مختصة تشرف على تتبع وتقييم الوضع الوبائي بالمملكة، بالتالي فإن اتخاذ أي قرار بشأن عودة الحجر الصحي أو عدمه لا يتم بشكل اعتباطي.
سكينة نايت الرايس – أكادير 24