صدر مؤخرا كتاب جديد من توقيع الدكتور عبد السلام فزازي الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير،يحمل عنوانا مثيرا ونوعيا في آن واحد، سواء من حيث التيمة أو التناول بعيدا عن كل ما تعرفنا عليه في الأنساق الأدبية وأجناسها الإبداعية والنقدية.
لكون كاتب هذه التدوينات والنصوص قد اشتغل أساسا على شذرات متناثرة هناك وهناك مبثوثة على صفحات الفايسبوك لذلك أحسن توصيفها بالكتابة و التشظي في زمن الفاسيبوك.
والكتاب بحق ثورة في مجال الكتابة والتعبير لأنه مزج بين كافة الأجناس الأدبية ذات طبيعة سردية كانت أم شعرية أم نقدية صرفة،لهذا فهو أقرب إلى الخاطرة و الشذرة و التأمل في أقصى أبعاده من أن يصنف في جنس أدبي معين.
لأن كل تدوينة يتناول بجرأة استثنائية موضوعات ساخنة محليا ووطنيا وقوميا،في لحظة من اللحظات الحرجة التي عاشتها الأمة العربية من محيطها إلى خليجها،لكن ما ميزهذه التدوينات هو أن كابتها تناولها بعين نقدية نافذة حينا وساخرة حينا آخر.
من أجل شيء واحد ليس لتجاوزهذا التشظي الذي يطبع الكتابة على صفحات الفايسبوك بل ليتجاوز التمزق العربي و تشظيه على أكثر من مستوى وفي أكثر من موقف.
وهذا ما ولد مرارة لا توصف لدى النخبة المثقفة التي تكتوي يوميا في صمت بهذه المعاناة وتتألم داخليا بحسرة حادة وتتجرع مرارة ما آلت إليه أوضاع الشعوب العربية في ظل ما سمي سياسيا وتجاوزا أيضا ب”الربيع العربي”.
بيد أن عبد السلام فزازي أراد من هذه الكتابة التي اختار نشرها على صفحات الفايسبوك أن يقرأها الجميع وعلى الخصوص النخبة المثقفة المغربية والعربية لتدلي بدلوها في تلك الموضوعات المطروح للنقاش من أجل تعميق النقاش الأكاديمي بشأنها،وأن يقرأها جميع القراء المفترضين المتجولين في الفضاء الأزرق لضمان بلوغ المعلومة في زمن الثورة التكنولوجية الجديدة.
فالتجربة إذن بدأت على حد قوله في تصريحاته للجريدة بالكتابة على الحائط الفايسبوكي حيث فتحت أصلا للنخبة المثقفة،للطلبة الجامعيين والباحثين والأساتذة الجامعيين للتفاعل مع ما تطرحه هذه الصفحة التي تمرر مجموعة من الأجناس الأدبية لكن غير متناسقة مكتوبة بثلاث لغات.
فكان الهدف من هذه الصفحة،يقول فزازي،والتي جمعت شذراتها في هذا الكتاب هو أن ينخرط الباحثون الأكاديميون في هذه النافذة التواصلية الجديدة لإبرازوجهة نظرهم في موضوعات تطرحها من قبيل اين يتجلى الجانب البيداغوجي في الإصلاح الجامعي الجديد؟ وما مآل الهدرالمالي الذي عرفه البرنامج الإستعجالي بجامعتنا؟.
وأين هومآل الأدب المغاربي والأدب الزنجي الإفريقي من برنامج الجامعة وأين هوماسترالترجمة بعدما كان ممولا في البرنامج الإستعجالي؟ ..وغيرها من الموضوعات التي تحتاج إلى جرأة زائدة لمطارحتها بكل جدية بعيدا عن أساليب التزلف والتملق لأسباب ذاتية.
فكل شيء أتقياه على صفحات الفايسبوك،يضيف فزازي،كانت عبارة على نصوص وتدوينات تأتي بدون خلفيات،إما على شكل تحريضي من البناء،وإما على شكل نقد صريح دون مؤاربة وتحامل من أجل جامعة قوية ببحوثها وبيداغوجيتها وأطرها وطلبتها.
هذا وحظي كتاب”الكتابة و التشظي في زمن الفايسبوك”بتقديم خاص عبارة عن قراءة ذكية ونافذة لمضامينه من قبل الناقد الدكتور عياد أبلال،التي اعتبرها شذرات الكتاب المبثوثة في تدوينات فايسبوكية “نموذجا متقدما وراقيا لمفهوم الكتابة المعاصر،خاصة أنها تأتي نتيجة تلاقح معرفي بين العديد من التخصصات والتجارب المعرفية…”
مضيفا أنها”تتأسس على قاعدة التفكيك والهدم والبناء اقتداء بمنهج جاك دريدا،لهذا فالفزازي الشاعر والروائي والقاص هو في العمق مثل ذاك النحات الذي يبحث بالإزميل عن صفاء وجمال وجه عشتار،أحبها وأحب معها الحقيقة والأسطورة،لذلك فقراءة نصوص فزازي لا تستقيم إلا باستحضارالسؤال الفلسفي الباحث عن الحقيقة الثاوية في خلايا الكتابة نفسها..”
إن نصوص الكتاب”مفتوحة،يضيف عياد أبلال في تقديمه،على ما يمكن أن نسميه السياق والمناسبة،خاصة إذا علمنا أنها نصوص كتبت وانكتبت في سياق تعليقات على رسائل ومدونات فيسبوكية حيث يتحول الفايسبوك في سياق مفهوم الكتابة من قناة إلى مرسل وتتحول التدوينة إلى مناسبة للكتابة وهو ما يجعل مقام الكتابة وسياق المناسبة يتداخلان في تحديد طبيعة النص.
لذلك لا يمكن”فصل الشعري عن النثري عن السردي وفصل النسق عن اللانسق،والدال عن المدلول خاصة أمام غنى المرجع وقدرته على التحول الدائم في نسق الثقافة،لذلك فالكتابة في شبكات التواصل الإجتماعي تتأسس في العمق على الدفع بالخطاب نحو التماهي بين الشعري والنثري والأيقونوغرافي في مدارات وآفاق تأويلية جديدة تغني الخطاب..”.
وختم الناقد أبلال تقديمه بقوله”إن الكتابة عند عبدالسلام فزازي هي مناسبة لإعادة ترميم الذات والذاكرة في زمن التشظي والتشتت،ولذلك فمساحة الألم تكبركلما توغلنا في قراءة الذات في تجربة هذا الكاتب الفريد،وكلما اتسعت مساحة الألم تمددت مدارات النقد التي تتخذ صبغة حادة في الكثير من مواطن القهر والبؤس والظلم والتخلف.
كما هو حال العالم العربي الذي يأخذ حيزا كبيرا في مختبر التشريح النقدي الذي تؤسس له هذه النصوص،بشكل يجعل الكاتب يمارس بوعي تاريخي جينيالوجيا النقد التاريخي،مطالبا بإعادة كتابة التاريخ من خلال كتابة الذات وتاريخ الآخر…
فالكتابة عند الفزازي” نص والقراءة تأويل لهذا النص بما هو جسد مقموع في العقل والتراث العربيين ولهذا يحق لنا،يقول أبلال،أن تعتبر أن فزازي ولج منطقة خطرة بذكاء شديد على مستوى المقاربة والمناوشة والسبق”.
و”هي منطقة التماس الديني والأيديولوجي بين الأدبي والسياسي بين العبودية والتحرر،منطقة هدم الأوثان وتحرير الأدب والثقافة والسياسة من الخرافة والأقنعة منتصرا لتحريرالإنسان العربي من الماء إلى الماء،من العبودية والتخلف وأدران الماضي المتكلس..”.
يتضمن كتاب “الكتابة و التشظي في زمن الفايسبوك” أكثر من مائة وخمسين تدوينة فايسبوكية تحمل عناوين مختلفة تدعو إلى قراءتها نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
- – عشق الكتابة إلى حد الجنون
- – الغربة لعبة زئبقية تتفاعل بين الروح والجسد
- – مرثية لكرامة تتلذذ بقتل وتقتيل أبنائها
- قيل والله أعلم… عن القتل والتقتيل والتنكيل بين العرب أنفسهم
- – ترى لماذا…عن الواقع العربي المتشرذم.
- – البكاء العربي على ضياع تاريخه الزاهر.
- – لماذا آذاننا عادت صماء؟
- – أعرفك أناي
- مباشرة بعد…عن الكتابة المتمنعة ومعناقة اللغة المستعصية.
- – أنت أكبر من هذه الفضائيات المروجة للغناء المنحط
- – حيرة ما بعد حيرة.
- – طرح أسئلة حارقة وشائكة
- – رسالة إلى كل من كان يدعي حبي نكالا
- – ما معنى أن تستخف
- – في هذا الزمن الهارب منا
- – رباه
- أحمد الله
- – تألمت كثيرا
- – الإنسان عبارة عن شبكة معقدة
- – آه حين أعيد
- – من رفع البطاقة الحمراء؟
- – ما السعادة في زمننا؟
- تحية تليق
- – لماذا؟
- – أنا من يكره الرحيل والفراق
- – ترى لماذا تذكرت؟
- – عملة رائجة
- – ما أجمل
- – ما بال الأمطار لا تغادر
- – أخي محمود
- – في السجن كان
- – أية جريمة اقترفت
- – فنجان القهوة هذا الصباح فاتر
- – صعب أن تصير رقما
- – مالي وحيدا
- – آه حين تسترجع
- – ليلة كانت بحجم قوس
- – ما أعظم التسامح
- – بأي حال عدت ياعيد
- عبداللطيف الكامل