القطاع الفلاحي بسوس بين مطرقة الربح وسندان الخسارة “الكردان نموذجا” .
يعيش القطاع الفلاحي بسوس عامة وسبت الكردان خاصة أوضاعا مزرية وكارثية بكل المقاييس . فمن موسم سيء إلى موسم أسوء منه ومن أزمة منتوج معين الى أزمة منتوج آخر . وهكذا تنتقل أزمة تسويق المنتوج الزراعي من البطاطس الى البطيخ الأحمر الى الحوامض بسبب الفوضى العارمة التي يشهدها القطاع وتطفل العديد من مبيضي الأموال على القطاع الفلاحي من أصحاب المهن الأخرى من مقاولين وتجار وأطباء ومحامون وقضاة ورجال سلطة سابقون .
فإذا كانت جميع المهن والحرف لها قوانين تنظمها وتضبطها فإن القطاع الفلاحي يظل البوابة المفتوحة للجميع للإستثمار وإغراق الأسواق الأجنبية والداخلية بالسلع أولا لجاذبية الإنسان بصفة عامة الى مهنته الأولى الزراعة من جهة وثانيا بسبب الإعفاء الضريبي الذي يتمتع به القطاع الفلاحي والدعم بدون شروط الذي يحصل عليه القطاع من المال العام في مجال التجهيزات والآليات من جهة ثانية . وهو ما ترتب عنه تضرر وتراجع مداخيل الفلاحين التقليديين وعجزهم عن مسايرة الخسائر كل سنة خصوصا وأن مداخيلهم تظل مرتبطة بهذا القطاع دون غيره عكس الفئة الوافدة على الإستثمار بالقطاع والتي تظل مصادر عيشها آمنة من مهن وقطاعات اقتصادية أخرى .
بمنطقة سبت الكردان تارودانت التي تعتبر مركزا لإنتاج الحوامض والخضر والفواكه بسوس ومنذ دخول الحماية الفرنسية الى المغرب واصل الفلاحون استغلال الضيعات التي تركها المعمرون وغرسوا بقية الأراضي الأخرى وشيدوا معامل التلفيف لتصدير منتوجاتهم من الحوامض والخضر والفواكه الى الخارج وخصوصا الى أوروبا مستغلين مياه الفرشة الباطنية بشكل مفرط وغير عقلاني في السقي طيلة المئة سنة الأخيرة ترتب عنه هبوط حاد وسريع لمستوى المياه الباطنية في الفرشة بل الى نضوبها نهائيا في جل مناطق الكردان وأولاد سعيد والكفيفات وانتقال الأزمة الى المناطق المجاورة في سوس كأولاد برحيل وأولوز وشتوكة وإلى خارج مناطق سوس بكلميم وطاطا وزاكورة والراشيدية وشيشاوة والشماعية وسيد المختار بسبب انتقال بعض المزارعين من سوس الى هذه المناطق بعدما جفت حقولهم الأولى .
بالإضافة الى الجفاف الذي أصبحت تعاني منه منطقة الكردان خاصة وسوس عامة بسبب هذه المزروعات التسويقية الموجهة الى الخارج عرفت المنطقة في السنوات الأخيرة فائضا كبيرا في الإنتاج بسبب الفوضى التي يعيشها القطاع من حيت التنظيم وبسبب التطورات التقنية التي عرفتها وسائل الإنتاج وبسبب تزايد المساحات المستغلة التي كان من نتائجها انهيار أسعار بعض المنتوجات في الأسواق الداخلية والخارجية على رأسها الحوامض بجميع أنواعها والبطاطس والبطيخ الأحمر نموذجا كما ساهمت الشروط التعجيزية التي يضعها المستوردون من الخارج لحوامضنا وبطيخنا وخضرنا وفواكهنا من جودة ومنتوج خالي من المبيدات وتحديد مدة وتاريخ التصدير في الصفقات المبرمة بين الأجانب والمجموعات التصديرية في تزايد الأزمة وتكرارها كل موسم تقريبا فأصبحت النتيجة توجيه جزء كبير من المحاصيل كأعلاف للماشية بثمن بخس لا يغطي حتى ثمن شحن المنتوجات من معامل التلفيف مثلا 100درهم للطن الواحد من الحوامض الموجهة للأغنام بعد العجز عن تسويقها داخليا وتخلي الفلاحين عن جني ألاف الأطنان من المنتوجات وتركها في الضيعات تتساقط على الأرض بعدما لم تعد تغطي حتى ثمن جنيها.
عاش الفلاح الكرداني خاصة والسوسي عامة الويلات والأزمات مع انهيار الأسعار المتكرر بسبب العجز عن تسويق منتوجه وتزايدت ديونه لدى الأبناك واختلت التزاماته مع مموليه من المواد الفلاحية الضرورية من أسمدة ومبيدات وبيوت مغطاة ومحروقات وكهرباء وانتقلت الأزمة الى تضرر اليد العاملة بالقطاع بعدما عجز العديد من الفلاحين وارباب معامل التلفيف عن تسديد مساهماتهم في صندوق الضمان الإجتماعي وتوقفت التغطية الصحية وتوقفت معها التعويضات العائلية للعمال بل أصبحنا نعيش بعض المرات احتجاجات سببها تأخير دفع الأجور في الوقت المتفق عليه بين المشغِل والمشغَل وأصبحت جلسات المحاكم محليا تعج بنزاعات الشغل .
يحتاج القطاع الفلاحي بالجنوب الى نظرة بعيدة المدى واصلاح استراتيجي يراعي مشكل الخصاص في الماء وتحديد المزروعات المسموح بها وعقلنة الدعم العمومي وتوجيهه الى التحكم في الإنتاج عبر تشجيع بعض المزروعات الضرورية في الأمن الغذائي للمغاربة من حبوب وقطاني وثوابل وتشجيع المزروعات العلفية للحد من فاتورة الإستيراد وتنظيم القطاع وحمايته من المتطفلين والوسطاء لضمان استقرار الفلاحين وتشجيع الصناعات التحويلية لإحتواء فائض الإنتاج وتوفير البنيات التحتية الضرورية للساكنة بالقرى لحماية المدن من الهجرة .
الأستاذ سعيد شكري من منطقة الكردان .