حسم القضاء اليوم الأربعاء 5 ماي الجاري بحكم نهائي قطعي، في الجدل الذي أثير حول السلسلة الفكاهية الرمضانية “قهوة نص نص”، التي تبث على القناة الأولى.
في هذا السياق، رفض القضاء الدعوى الاستئنافية التي رفعها محامون ضد السلسلة الفكاهية، بحجة السخرية والنيل من مهنة المحاماة.
وبذلك يكون هذا الملف الذي سخر منه الكثير من المغاربة والفنانين قد طوي بشكل نهائي، رغم ما أبدته فئة من المحامين من استياء عارم من السلسلة الفكاهية، في حين اعتبر بعض الفنانين ممن ردوا على هذا الموضوع بأن التمثيل هو مهنة فنية قبل كل شيء، تقدم شخصيات من مختلف المهن والحرف، في قالب فني وكوميدي قد يكون للسخرية أو لتقديم مشاهد حقيقية تعاش يومياً.
وتناقل العشرات من المغاربة، حكم القضاء منذ صدوره، بعدما كانوا قد تناقلوا في الآونة الأخيرة تدوينات ساخرة تدعو بقية المهنيين و الحرفيين للتقدم بدورهم بشكايات ضد السلسلات والمسرحيات التي تقدمهم كموضوع للسخرية، الأمر الذي سيؤدي حسب وجهة نظرهم إلى إغلاق التلفزيون والمسارح وقاعات السينما والقضاء على الإبداع.
وكان المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، قد جدد بدوره خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 27 أبريل ، التأكيد على أهمية صون حرية الإبداع، وذلك بعد تلقيه عددا من الشكايات بشأن أعمال تخييلية تلفزية.
وذكر بلاغ للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أن المجلس قرر خلال هذا الاجتماع، بعد دراسة مجموع هذه الشكايات والتداول بشأنها والبث فيها، تجديد التأكيد على مجموعة من النقط أولها “أن حرية الإبداع الفني كما هي مضمونة دستوريا، لا سيما في الأعمال التخييلية، جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصري كما كرسها القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري والقانون رقم 11.15 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا”.
وأضاف ذات البلاغ أنه “لا يمكن للعمل التخييلي أن يحقق وجوده ويكتسب قيمته دون حرية في كتابة السينايو، وفي تشخيص الوضعيات والمواقف، وفي تحديد الأدوار وتمثل الشخصيات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل هزلي أو فكاهي”.
وأكد ذات المجلس على أن “التمثيل النقدي لمهنة معنية في عمل فني سمعي بصري لا يشكل قذفا، كما هو معرف قانونا، ولا يقصد إساءة، بل هو مرتبط بحق صاحب العمل في اعتماد اختيارات فنية معينة”، مبرزا أن “المطالبة بتوظيف الأعمال التخييلية لشخصيات أو نماذج تجسد حصرا الاستقامة والنزاهة، ليس مسا بحرية الإبداع فحسب، بل أيضا تجاهلا لدور ومسؤولية الإعلام، لا سيما العمومي، في ممارسة النقد الاجتماعي ومعالجة بعض السلوكيات والظواهر المستهجنة”.
وقالت “الهاكا” بأن المطالبة بممارسة الرقابة القبلية تجاه الأعمال التخييلية أو بالتدخل البعدي لوقف بثها، “يحيل على تمثل غير دقيق لمفهوم تقنين المضامين الإعلامية وللانتداب المؤسسي للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، إذ أن المشرع يضمن للإذاعات والقنوات التلفزية العمومية والخاصة إعداد وبث برامجها بكل حرية”.
وشدد مجلس “الهاكا” في بلاغه على أن “الهيأة العليا مؤتمنة على السهر على احترام هذه الحرية وحمايتها كمبدأ أساسي، مع الحرص على احترام كل المضامين التي تبث سواء كانت تخييلية أو إخبارية أو غيرهما، للحقوق الإنسانية الأساسية، على غرار عدم المس بالكرامة الإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وعدم التمييز ضد المرأة أو الحط من كرامتها، وعدم تعريض الطفل والجمهور الناشئ لمضامين تنطوي على مخاطر جسدية، نفسية أو ذهنية، وعدم التحريض على سلوكات مضرة بالصحة وبسلامة الأشخاص”.
وأشار البلاغ نفسه إلى أن “الهاكا” تتلقى وبشكل متواتر شكايات يتقدم بها أفراد أو جمعيات أو تنظيمات مهنية للاحتجاج على تضمن بعض الأعمال التخييلية المعروضة على القنوات التلفزية الوطنية لمشاهد وحوارات تعتبرها ماسة بمهن معينة ومسيئة لمنتسبيها، مضيفا شهر رمضان يسجل ارتفاعا ملحوظا في عدد هذا الصنف من الشكايات اعتبارا للبرمجة المكثفة للأعمال التخييلية وتزايد الإقبال على متابعتها.
وختم المجلس مذكرا بأن الغاية الفضلى للتقنين هي “إعلاء قيم الحرية وتحرير طاقات المبادرة والإبداع” محذرا من كل ما من شأنه كبح تحقيق هذه الغاية.