يزخر الموروث الثقافي المغربي بكثير من المواضيع الشيقة، التي تتلاءم ومناسبة دينية لها قيمتها ورمزيتها عند المسلمين كشهر رمضان، والتي قد توقظ النفوس وترفع الهمم.
فتاريخ المغاربة حافل بالأحداث والملاحم التي خلدها المغاربة عبر تاريخهم العريق. فرمضان هو فرصة للتعريف بفتوحات المسلمين المغاربة ومعاركهم في مواجهة العدو، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: فتح الأندلس، معركة الزلاقة، موقعة العقاب، وادي المخازن…، أو ما أبلاه المغاربة في مواجهة الاحتلال الفرنسي والإسباني: ثورة الريف، انتفاضة عسو أوباسلام بقبائل زيان، معركة بوكافر، وغيرها من الملاحم التي تستحق أن ترجم إلى أعمال فنية تعرض في قنواتنا الرسمية.
كما أن رمضان هو فرصة للتعريف بالقادة الذين تركوا بصماتهم في تاريخ المغرب: كإدريس الأول وعبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين وعبد الكريم الخطابي وغيرهم من الرجال العظام الذين نقشوا أسماءهم بماء من دهب على صفحات تاريخ المغرب.
ويعد كذلك مناسبة لنفض غبار النسيان على سير العديد من العلماء الذين انتسبوا إلى المغرب كالقاضي عياض السبتي وابن عبد البر وابن رشد وابن حجر العسقلاني وابن خلدون وابن العربي وابن بطوطة، واللائحة تطول.
وعوض ما ذكرنا، ورغم أن المناسبة شرط، اقترح علينا تلفزيوننا المغربي خلال هذا الشهر الفضيل أعمالا (فنية) لاقت انتقادا لاذعا على شبكات التواصل الاجتماعي، فاعتبر ها بعضهم أعمال رديئة تنقصها الحبكة وجودة السيناريو، كما يغيب عنها عنصر التشويق، وصنفها البعض منهم في دائرة الأعمال التي تبتعد عما هو فن رسالي هادف، كونها تطرح مواضيع تافهة ومملة، تستخف بعقل المتابع وتروج لرسائل تتناقض وخصائص شهر رمضان.
في الحقيقة هذا التوجه ليس نابع من قناعات مجتمعية وإنما قدفت به رياح العولمة والليبرالية المتوحشة ، و تبنته فئة مستغربة غريبة عن المجتمع وثقافته، تسعى إلى تغلفل متدج في المجتمع المغربي المحافظ ، دعاة هذا الفكر الغريب تدعو إلى تحرير الفن من رقبة الأخلاق، عوض أن يكون أداة من أدوات زرع الفضيلة، بدعوى أن الفن عليه أن يتحرر من كل ما يعتبرونه رجعيا وماضويا. و دعاة هذا الفكر يستغلون كل الوسائل للترويج لدعايتهم على رأس هذه الوسائل الإعلام العمومي باعتباره خير مطية لفكرهم ، تمكنهم من مخاطبة شرائع عريضة من المجتمع ، كما أنهم يضفون على محاولاتهم هذه نوعا من الرسمية . ولدى يرى الملاحظ أن البرامج الدينية التي كانت تشكل غالبية برامج رمضان قد تقلصت إلى حد كبير. لكن عامة الشعب واعي بخطورة هذا التوجه ويرى أن المسلم أولى له اغتنام فرصة رمضان لكبح جماح النفس والكف عن الشهوات، وأن يكون الفن ملتزم بمبدأ الأخلاق الفاضلة ، مدافعا عن قضايا الوطن والأمة ، وأي عمل فني لا يأخذ بعين الإعتبار تحقيق هذه الأهداف واحترام هذه الثوابت هو مجرد لهو وترف ومضيعة للوقت، لا ينبغي الانقياد لسحره وغوايته. وأن القيمة الفنية وبكل بساطة تبنى على استقلالية المبدع ونظرته الخاصة خارج أي تأثير أو ضوضاء مع استحضار داتي لرقابة الضمير الحي المحافض على الأخلاق وتعليم والدين بعيدا عن الحياة الدوابية .
والفن الحقيقي ليس كل تعبير يخرج بالمتلقي من دائرة الفن إلى دائرة الواقع بسبب فقر الموهبة وانسداد أفق الخيال بدعوى حرية الإبداع . فذاك هتك سافر وغير مبرر فنيا وأخلاقيا، ولا يثير في المحصلة إحساسا جماليا، بل إحساسا بالرفض للعمل الفني ويعوق تلقيه. إنه في نهاية المطاف عمل لا أخلاقي بمرجعية أخلاق الفن قبل أخلاقية الحياة.
وأخذا بمقولة ” تنتهي حريتك عند بداية حرية الآخر”، فإنه ليس من الحرية استغلال إعلام عمومي موجه لعامة الشعب لفرض وجهات نظر معينة ، فذاك يعد عنفا فكريا رمزيا يمارس على مجتمع مسالم من حقه الإستفادة من إعلام نزيه ومحايد، بدعوى تبليغ الحداثة للجميع بالمجان، وهذه الحالة لم تعد تميز الإعلام الوطني فحسب ولكنها حالة تعم الإعلام العربي ككل، قفد جاء في تقرير لمركز الجزيرة منشور على موقع الجزيرة نت: أن البث الإذاعي والتليفزيوني العام (الرسمي) في العالم العربي، عفَا عليه الزمن، ويُمَثِّل النهج السائد في البث الإذاعي والتليفزيوني للنموذج السلطوي التقليدي؛ حيث إن البرمجة على القنوات العربية العامة تفتقر إلى الرؤية، ولا تتوافق مع معايير الخدمة العامة للبث المتمثلة في الإخبار والتثقيف والترفيه، والالتزام بالجودة المهنية والشمولية والتنوع. وهذا ما يعاب على هذه المؤسسة لكونها عمومية.