الديمقراطية المحلية بين مطرقة السن القانوني للترشح وسندان مشروعية الانتخابات (جماعة أكادير ملول بإقليم تارودانت نموذجا)
لفتت نتائج الاستحقاقات الجماعية الأخيرة (اقتراع 8 شتنبر2021) وما رافقها من تشكيل المجالس الجماعية، أنظار المهتمين والمحللين والمتتبعين للشأن العام إلى ما يكتنف المدونة الانتخابية ما بعد دستور 2011 من ثغرات وعدم تجانس التشريعات القانونية في ما بين بعض موادها، وخاصة تلك المتعلقة بسن الترشح للانتخابات، مما انعكس بالاختلاف على الأحكام القضائية الخاصة بالطعون المقدمة في الموضوع بالمحاكم الابتدائية، وذلك بعد اعتلاء مجموعة من صغر السن منعدمي التجربة والأهلية (ما بين 18 و21سنة) مناصب التسيير والمسؤولية في العديد من المجالس الجماعية، مما أثار نقاشا وجدلا حادا في وسائل التواصل الاجتماعي حول السن القانوني للترشح ومدى توافقه مع الدستور، وحول مدى جدية كل من القوانين الانتخابية والأحزاب السياسية في اختيار و فرز نخب قادرة على تنزيل النموذج التنموي الجديد، وعلى مواكبة التحولات التي يعرفها مغرب اليوم على مستوى الإصلاحات التي تشكل المعالم الكبرى لسياسة صاحب الجلالة حول النهوض التنموي للمجالات الحيوية التي ترتبط بها انتظارات المواطنين الذين يعانون من اكراهات اقتصادية واجتماعية، ومن صعوبات مختلفة في مجال التشغيل والصحة والتعليم والطفولة والنهوض بشؤون المرأة والشباب خاصة بالمناطق القروية.
ومن نماذج هذا الموضوع، تشكيل مجلس جماعة أكادير ملول بإقليم تارودانت، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 10000 نسمة، وتندرج ضمن لائحة الجماعات الهشة، ذلك أن محدودية مواردها المالية، وانعدام الحكامة الجيدة في التسيير وترشيد نفقات أموال الدعم من لدن المجالس السابقة، أثر سلبا على تحقيق الشروط الأساسية لتلبية الحاجيات الضرورية والتنموية للمواطنين بهذه الجماعة و الذين سعوا من خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة إلى فرز بديل عبر منح غالبية أصواته ودوائره للتجمع الوطني للأحرار الذي كان في المعارضة خلال الولاية السابقة (7 دوائر انتخابية من أصل 13 و 1663 صوت، مقابل 6 دوائر و حوالي 1200 صوت لمنافسه)، إلا أن نمط الاقتراع الفردي وإضافة مقعد للنساء، وعدم تطبيق المادة 41 من القانون الانتخابي في الترشح للانتخابات، و تطبيق تولي الأصغر سنا منصب الرئاسة في حالة تعادل أصوات أعضاء المجلس، حال دون حصول هذا الحزب على رئاسة المجلس، مما حدا بأعضائه التسعة إلى عدم التصويت والتحالف مع الحزب المنافس، ليس من باب طلب المنصب في حد ذاته، ولكن مراعاة لمصالح الجماعة والمواطنين، طبقا للأسباب الموضوعية التالية:
- كون المرشحة للرئاسة غير مؤهلة لهذا المنصب، سواء من حيث السن أو من حيث التجربة السياسية التي تساوي لديها الصفر أومن حيث مستواها التعليمي (مستوى الإعدادي)، مقارنة مع بعض الأعضاء المتوفرين على تجربة سياسية لأكثر من ولاية، يضاف إليها توفر بعضهم على شهادات عليا من ضمنهم دكتور بمنصب أستاذ في التعليم العالي.
- مراعاة المصلحة العامة للمواطنين بالجماعة وتنزيلا للتصور والبرنامج الانتخابي الذي يتطلب تنفيذه ميزانيات داعمة من الإقليم والجهة والقطاعات الحكومية المختصة، يقتضي منح الرئاسة للجهة التي تمثل تجانسا سياسيا مع المجالس الإقليمية والجهوية والوطنية.
- بالرغم مما يخوله القانون وهو خاضع للاجتهاد القضائي فيما يخوله، لا يستقيم مع المنطق ومع المصلحة العامة للمواطن، منح الرئاسة عبر التصويت لتلميذة في الإعدادي لا تزال تعيش في كنف والدها ومنعدمة لأي تجربة سياسية أو جمعوية حتى، في الوقت الذي يتواجد فيه أعضاء مؤهلون لهذا المنصب (منهم تقني في التسيير والتدبير المالي، ومنهم مجازون في تخصصات مختلفة، ومنهم أستاذ جامعي متخصص في التهيئة المجالية)، وبالتالي يعتبر في نظرنا التصويت لهذه المرشحة وفي حضور هؤلاء الأعضاء، عبثا بمصالح المواطنين، وإخلال بالمسؤولية وتبخيسا للعمل السياسي وخيانة لثقة المصوت.
- احتراما لشرعية الانتخابات القائمة على نتائج صناديق الاقتراع، ولمفهوم الديمقراطية الذي يعني حكم الأغلبية للأقلية، لا يعقل أن يتم التصويت في الرئاسة لمن حاز فقط على 41% من الأصوات المعبر عنها في الانتخابات الجماعية، ضدا على من حازوا على أكثر من 58 % من نفس الأصوات. وحيث أن القانون الذي سمح لهذه الصغيرة وهي لم تترشح أصلا إلا عبر المقعد الخاص بالنساء، قد قلب مفهوم الديمقراطية رأسا على عقب، ومعه من صوت لصالحها من أعضاء المجلس من ذوي الخبرة والمستوى الثقافي الذين فضلوا التمسك بواهية المناصب في المجلس الجماعي، عوض الاهتمام بما يجلب المصلحة العامة، ولهؤلاء الأعضاء نقول ما رواه البخاري عن أبي مسعود البدري قول الرسول (صلع): ” إذا لم تستح فاصنع ما شئت “. فهذه الشابة المرشحة للرئاسة لا نلومها في شئء سوى في الدفع بها لهذا المنصب الذي لا قدرة لها الآن عليه.
ومن الدلائل على عدم أهلية وقدرتها على تسيير المجلس فبالأحرى تسيير الجماعة والمرافعة عن مصالح المواطنين والمواطنات أمام المجالس والهيئات المختلفة وفي اللقاءات المتنوعة، عدم تلفظها طيلة مدة جلسة دراسة النظام الداخلي للمجلس أثناء انعقاد الدورة الاستثنائية لهذا الغرض، إلا ببعض الكلمات همس إليها بها نائبها الأول في مقدمة الجلسة، ورغم ذلك لم تحسن نطقها كما سمعتها منه، فغابت عن التسيير والنقاش وإن كانت حاضرة جسديا، مما سمح لنوع من الفوضى والثنائيات في النقاش والخوض أحيانا في مواضيع خارج ما يجب التداول فيه. وقد أدى عدم الاكتراث من طرف كل أعضاء المكتب المسير إلى الاكتفاء بدراسة مواد النظام الداخلي دون عرضه للتصويت، حيث هم بعض أعضاء المكتب المسير إلى رفع الجلسة والمغادرة، مما دفع بنا نحن الأعضاء التسعة إلى الطعن في الدورة لدى السلطات الإقليمية لخرق المكتب المسير لمقتضيات المادة 32 من القانون التنظيمي 113-14 التي تنص على الدراسة والمصادقة على المقرر طبقا للكيفية المنصوص عليها في القانون.