التعليم هو أساس قيام الأمم.
لن يختلف علماء التربية ولا حتى علماء الإجتناع ، فيما تلعبه المدرسة والمدرس من دور تربوي وإجتماعي هام ، باعتبارهم أساس كل إصلاح وتصد لكل فساد.
ولن أجد في مقالي هذا أحد من المتلقين لخطابي ، ممن يتجرؤا على أن المدرس كان دوما ثاجا فوق رؤوسنا وفوق رؤوس الجميع أبى من أبى وكره من كره.
كيف لا وهم من ينشرون ويسهرون على تلقين فلذات أكبادنا، ( وقد تعلمنا على يدهم الكثير ، ولولاهم لما كان القاضي والمحامي والضابط والجندي وغيرهم … )
وقبل ذلك ، باجماع كل الصفات التي ذكرت وحتى تلك التي لم أذكر ، فقد تعلمنا منهم الكثير .
أصابنا الحزن بحكم قضائي ابتدائي قابل للطعن ، على أستاذة قامت الى جانب زملائها بالتظاهر للمطلبة بحق مشروع ، حكم عرى الواقع الأمر في ضل دستور كرس ثلت مواده للحقوق والحريات .
فقد قضت المحكمة الابتدائية بمدينة الرباط زوال الخميس 10 مارس بالسجن النافذ في حق الأستاذة وعضوة التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين السيدة نزهة مجدي.وأدانت هيئة الحكم في قضيتها بالسجن 3 أشهر نافذة …
طبعا الحق في الطعن يبقى قائما في في ظرف العشرة أيام من النطق بالحكم الجنحي ، وهو حق قائم لكل دي مصلحة فيه .
التشريع والقانون الذي طبقه القاضي وقد أساء التطبيق لانه لم يراعي صفة مرتكب الفعل ولا طبيعة الفعل والهدف منه الذي لا يعدوا حق مشروعا في الاحتجاج والتظاهر السلمي والذي تحكمه قواعد قانون 1958( قانون الحريات العامة باستثناء قانون الصحافة والنشر ) والتي لم يطلها أي تعديل ، رغم توالي دساتير المملكة وآخرها دستور 2011 ، أقول لا يسموا على الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ونشرت بالجريدة الرسمية وعلى رأسها العهد الدولي لحقوق الانسان و الافاقيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي لا يعدر القاضي والمحامي وحتى من يسهر على نفاذ القانون بجهلها منها حق المدرس كإنسان وكمربي الأجيال و الذي يعتبر القسم مكانه الطبيعي والمدرسة وليس المخفر أو “الجيور” ( المعلم – المعتقل ) .
كما أن مثل هذه الأحكام ماكنت لتصدر في وقت توجد فيه شغيلة القطاع التعليمي في وضعية الاحتقان واوج أزمة تعددت تلاوينها ،من غلاء الاسعار ، وتردي الوضعية الاجتماعية نتيجة ازمة كوفيد وحرب اوكرانيا ، أمر من شأنه أن يضيف الزيت على النار.
ويبقى سؤالى كل مهتم قبل الجواب ، أن ننظر الى تأثير كل ما أثير للمتلقي وبدون مزايدة على التلاميذ ، الذين تصلهم كل الاخبار في ظل زخم المعلومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن الحكم على مدرسيهم بعقوبات نافذه، الذين يلقونننهم الدروس حول الوطنية وحب الوطن والتفاني في العمل.
إننا لسنا ضد القانون، ولكننا ضد العشوائية في تدبير الازمات ،ضد القرارات الارتجالية ، وضد الاضرابات المتكررة التي تترك فراغا في الأقسام.
إن الاصلاحات المتلاحقة وغير المدروسة للتعليم في بلادنا، ابرزت بالملموس أنها لا تؤدي الى حلول، بل تعقد من التعليم وتقهقرنا الى الوراء، من الميثاق الوطني للتربية والتكوين في 2003 الى المخطط الاستعجالي، ونظام التعاقد. لقد تحول نظام التعليم الى مختبر للتجارب، أبطاله وزراء متعاقبون، واصلاحاتهم لا تنطلق من السياق المغربي، بل اسقاطات اجنبية، تبين أنها لن تزيدنا غير تعقيد المنظومة.
إن الاصلاح الذي لا يستهدف العنصر البشري، ويرفع من قدره في المجتمع، عبر التكوين المستمر، وتدعيم وضعيته الاجتماعية، ليس اصلاحا فلا توجد بيداغوجيا ولا مناهج ناجحة في العالم، دون وجود عنصر بشري، محفز ماديا ومعنويا.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.