تجرى هذه الأيام امتحانات الدورة الاستدراكية لنيل شهادة الباكالوريا بالنسبة لجميع الشعب والمسالك وهي دورة لم يتقرر السماح باجتيازها بالنسبة لجميع الراسبين في هذه الامتحانات وإنما حدد التشريع الحالات والتلاميذ المرخص لهم باجتياز هذه الدورة ممن حصرت تعدداهم الفقرة الثانية من المادة 23 من قرار وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 2385.06 الصادر في 23 من رمضان 1427 ( 16 أكتوبر 2006) بشأن تنظيم امتحانات نيل شهادة الباكالوريا كما وقع تتميه والتي تقول:
ويجتاز الامتحان المذكور المترشحون الرسميون الذين لم يتمكنوا بسبب قوة قاهرة من اجتياز بعض أو كل اختبارات الدورة العادية ، أو الذين لم يتفوقوا في هذه الدورة وحصلوا على معدل عام لا يقل عن 7 من 20 وبدون نقطة موجبة للرسوب مع مراعاة مقتضيات المادة 10 أعلاه أو الذين حصلوا على معدل لا يقل عن 10 من 20 مع نقطة موجبة للرسوب في مادة واحدة فقط .
وإذا كان هذا القرار واضح صريح في الترخيص باجتياز امتحان الدورة الاستدراكية ممن حصلوا على مالا يقل على المعدلات الواردة في نفس المادة فإن القوة القاهرة كسبب موجب للترخيص لمن تقرر لفائدتهم اجتياز نفس الدورة قد يطرح صعوبات في التطبيق سواء أمام الإدارة أو القضاء على مستوى الاثبات وعلى مستوى التقدير .
وإذا كانت الحالات التي أوردها المشرع المغربي كمثال عن القوة قاهرة ضمن الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود الذي يقول:
القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين
لا تحتاج إلى مجهود لإقناع الإدارة أو القضاء بأثرها كقوة قاهرة لأن تكييفها بالوصف المذكور كان تكييفا تشريعيا كالفيضانات والعواصف وغيرهما من الحالات الواردة في نفس الفصل فإن المرض المفاجئ المصادف لتاريخ اجتياز الدورة العادية والذي بسببه قد يتغيب التلميذ عن اجتياز بعض أوكل اختبارات الدورة العادية يطرح العديد من الإشكالات حول مدى اعتباره قوة قاهرة موجبة للترخيص للتلميذ باجتياز امتحان الدورة الاستدراكية أم لا .
بالرجوع إلى المادة 23 من قرار وزير التربية الوطنية رقم 2385.06 فإنها لم تتحدث عن ماهية القوة القاهرة الموجبة للترخيص باجتياز امتحانات الدورة الاستدراكية ولا عن كيفية تقديرها والجهة التي تتولى تقديرها وكذلك الشأن بالنسبة لإثباتها ،والمقرر قانونا أنه في حالة سكوت مقتضى قانوني معين عن تحديد الأوصاف المقررة أو الموجبة للتمتع بالحقوق أو الاعفاء من الإلتزامات فإنه يتم الرجوع إلى القواعد العامة للقانون .
بداية إن امتحانات الباكالوريا وإن كانت منظمة بمقتضى مقرر لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي رقم 034.21 الصادر بتاريخ 26/04/2021 بشأن دفتر تنظيم امتحانات نيل شهادة الباكالوريا دروة 2021 فإن هذا الدفتر لم يتناول مسطرة الترخيص للتلاميذ باجتياز الدورة الاستدراكية بسبب القوة القاهرة شأنه شأن قرار وزير التربية الوطنية رقم 2385.06 ولذلك وللإجابة عن هذا الفراغ اعتمدت عنصر للمقارنة والقياس متمثلا في التشريع الخاص باعتماد الرخص الطبية كمبرر مقبول للغياب عن ممارسة أعباء الوظيفة العمومية ، ذلك أن هذا المجال يعتبر من بين المجالات التي فصل فيها التشريع المغربي إمكانية اعفاء الموظف من تنفيذ التزامه بممارسة مهامه بسب المرض وذلك بموجب المرسوم 2.99.1219 الصادر بتاريخ 10/05/2000 المحدد بموجبه كيفية تطبيق مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24/02/1958 في شأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المتعلقة بالرخص لأسباب صحية ورخص الولادة ،اد يكفي بموجب هذا المرسوم أن يدلي الموظف بشهادة طبية تثبت عجزه عن ممارسة الوظيفة خلال 48 ساعة مع إمكانية اخضاعه لفحص مضاد حال توفر الإدارة على قناعة بعدم صحة المعلومات التي تضمنتها الشهادة الطبية .
وفي نظري فإن التلميذ الذي اضطر إلى التغيب عن اجتياز الدورة العادية لامتحانات الباكالوريا بسبب المرض المعد من بين حالات القوة القاهرة يتعين عليه أن يدلي بشهادة طبية ثبت عجزه الصحي المؤقت إلى رئيس مركز الامتحان قبل أو أثناء اجتياز نفس الدورة العادية مقابل وصل .
ويبقى للإدارة إمكانية التحقق من صدق المعلومات الواردة في نفس الشهادة كما لو ضبط وهو يتجول بالشارع العام وهو في صحة جيدة خلال اجتياز نفس الامتحانات أو اخضاعه إن اقتضى الحال لفحص مضاد .
والواقع أن الإدارة ليس لها الوقت والموارد البشرية الكافية للتحقق من صدق معلومات الشهادة الطبية التي قد يدلي بها التلميذ غير أن الواقع العملي قد يفرز حالات تتمكن خلالها الإدارة من التأكد من عدم صدق المعلومات الواردة في نفس الشهادة فترتب بعد ذلك الأثر القانوني اللازم في هذه الحالة بحرمان التلميذ من اجتياز الدورة الاستدراكية .
وإذا كان الغياب عن اجتياز الدورة العادية لامتحان الباكالوريا بسبب المرض يمكن الإدارة والتلميذ كل من موقعه اثباته وترتيب أثره الموجب للترخيص باجتياز الدورة الاستدراكية لامتحانات الباكالوريا ، فإن الواقع العملي قد يشهد حالات عديدة من حالات القوة القاهرة المانعة من اجتياز الدورة العادية لامتحان الباكالوريا والتي قد يتأثر فيها الاثبات ضعفا أو توسطا ففي هذه الحالة تبقى سلطة الإدارة التقديرية قائمة ويبقى للمتضرر منها حقه اللجوء للقضاء لفحصها.
ذ/ نور الدين بن محمد العلمي محامي بهيئة أكادير