في شهر شتنبر القادم، سيعرف المغرب انتخابات ليست كباقي الانتخابات الماضية لسببين اثنين: أولا إنها ثلاثة انتخابات في يوم واحد، لأنها تجمع الاقتراع المحلي والجهوي والتشريعي. وثانيا هي انتخابات تأتي في ظل إعلان المغرب الترتيبات الأولية للدخول في نموذج تنموي جديد، ولعل أبرز هذه الترتيبات الميثاق الوطني للتنمية. الانتخابات الماضية، نعرف جيدا كيف تمت، ونتذكر جيدا مسيرة ولد زروال التي لا نعرف لحد الآن من كان ورائها على الأقل من الناحية الرسمية، وإنشاء حزب مدعوم بالسلطة والمال من أجل مواجهة حزب آخر خرج من رحم المجتمع. نعرف جيدا كيف أفرغت بعض الأحزاب مقراتها من الأعضاء والمنخرطين المتشبعين بأفكار حزبهم، وأجلست على كراسيها وافدين جددا من الأعيان وأصحاب المصالح والثروات. نعرف جيدا كذلك كيف حاول البعض استعمال سلطة المال للظفر بمقعد في البرلمان. نعرف كذلك كيف تم الانقلاب على خيار الناخبين لبداية مرحلة جديدة عنوانها البارز النكوص الديمقراطي. نعرف كل ذلك بتفاصيله وما خفي بين سطوره، لأننا نتحدث عن وقائع من الماضي عشناها واكتوينا بهزالتها ورداءتها. لكن التاريخ يسجل أن الناخب المغربي كان له رأي آخر، وأراد أن يمارس حقه الدستوري كما يريد هو،ووفق ما يتيح له القانون، وليس كما أرادت سلطة المال وسلطة النفوذ.
في ظل هذا الواقع الذي مرت منه الانتخابات السابقة، وخاصة تلك التي أعقبت الربيع العربي ودستور 2011، نجد أن سؤال الانتخابات التي نريد، له من الشرعية والواقعية ما يجعل منه سؤالا محوريا لمساءلة الانتخابات القادمة. هو سؤال كذلك يحمل من التخوفات ما قد يجعل البعض يؤمن بأن ما ستعرفه الانتخابات المقبلة قد يكون أسوء من مسيرة ولد زروال. وإذا علمنا أن الانتخابات المقبلة تعرف طموح حزب يريد ترؤس الحكومة للولاية الثالثة على التوالي، وهي سابقة في التاريخ السياسي الذي عرفته بلادنا، قد يجعل منها انتخابات تخضع لحسابات سياسية كبرى وتجعلها تبتعد عن روحها الأصيلة المتمثلة في كون الانتخابات هي تعبير سياسي واختيار حزبي لغالبية الناخبين. فهل ستكون الانتخابات تعبير حر للناخب لنفرح كمغاربة بعرس ديمقراطي نفتخر فيه بفوز الممارسة الديمقراطية الحرة أكثر من افتخارنا بفوز هذا الحزب أو ذاك؟ أم أن النظام السياسي الذي لم يشهد في تاريخه حزبا يترأس الحكومة لثلاثة ولايات متتابعة، سيتحرك لإرباك إرادة الناخبين وحريتهم في الاختيار؟ علما أن طرائق ذاك الإرباك لها أكثر من وجه ويمكن أن تسلك أكثر من مسار. وما القاسم الانتخابي إلا تعبير عن هذا التوجه.
عندما نتحدث عن النظام السياسي فإننا نتحدث عن مكونين اثنين: الدولة كسلطة على الانتخابات، والأحزاب السياسية. ما تشهده بعض هذه الأحزاب من استقالات وانضمام عناصر جديدة في الساعات الأخيرة قبل إغلاق ريع التزكيات، يجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة ليس عن الانتخابات وإنما عن الممارسة السياسية داخل هذه الأحزاب التي تسمح لنفسها السماح بأن يترشح باسمها كائنات لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بمبادئ الحزب وثقافته وبرامجه. نقول ذلك من المنظور الذي لا يختزل السياسة في الانتخابات فقط، بل يجعل منها ممارسة يومية في تأطير المواطنين ويجعل من الحزب معملا لإنتاج الأفكار والبرامج، ومشتلا للقضاء على الطفيليات وزرع ما يعود بالنفع على التربة وعلى الفلاح. الملاحظ، ونحن على أبواب انتخابات شتنبر المقبل، أن بعض الأحزاب تخوض صراعا يكاد يكون مصيريا في حياتها حول استقطاب الكائنات الانتخابية التي أصبحت تعج بها سوق الانتخابات، فيما النقاش حول تحصين الممارسة الديمقراطية، والتأكيد على انتخابات تعكس الإرادة السياسية للناخب هو نقاش غائب تماما عن هذه الأحزاب، رغم أنه جوهر النقاش بل والمغزى الأساسي من تنظيم الانتخابات.
رغم هذه البداية الانتخابية التي تشوبها الكثير من الشائبات، فهذا لا يمنعنا من التعبير بكل حرية عن الانتخابات التي نريد، وعن الأجواء التي يجب أن تمر فيها هذه الانتخابات. ومما يعزز طموحنا هذا، إقبال المغرب على نموذج تنموي جديد، يحاول إرساء استراتيجية بعيدة المدى، وتحديد معالم مغرب الغد. والأكيد أن الانتخابات والممارسة السياسية عامل رئيسي ومحدد في بلوغ هذا النموذج التنموي أهدافه ومراميه.
استنادا إلى ما جاء في النموذج التنموي وخاصة مفهوم إطلاق المبادرات، وتوحيد الرؤية الاستراتيجية لتجاوز تضارب المخططات والأهداف بين القطاعات الحكومية كما ركز على ذلك تقرير السيد شكيب بنموسى، فمن حقنا أن نطمح لانتخابات تلتزم فيها كل مؤسسة بالحدود التي يرسمها لها القانون والوثيقة الدستورية. فالممارسة السياسية وانتقاء المرشحين هي من اختصاص الأحزاب، ولا دخل لا لوزارة الداخلية ولا للولاة والعمال في ذلك. بمعنى أن الوالي أو العامل يجب أن يبقى في دائرة الإدارة التي تطبق القانون ويترك السياسة للأحزاب. فالنموذج التنموي قائم على الاختصاص وعلى الإسناد الواضح لهذه التخصصات لكل مؤسسة ولكل مسؤول. الممارسة السياسية تكون في إطار حزبي وهو الإطار الذي يسمح بنشوب خلافات بين الأحزاب وصراعات في المواقف والقرارات. وهو أمر طبيعي في دائرة الأحزاب، ولن يكون طبيعيا في دائرة الإدارة خاصة تلك التي تشرف على تطبيق القانون.
نريد انتخابات تقف فيها السلطة الوصية على مسافة واحدة مع كل الأحزاب ومع كل المرشحين وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بالقطع مع مفاهيم من قبيل الحزب المفضل لدى الدولة، وممارسات دعم حزب ضد حزب آخر.
نريد انتخابات تعبر حقيقة عن إرادة الشعب. نريد سلطة وصاية على الانتخابات تعمل على حماية حرية الناخب في الاختيار، ولا تقف على خط الحياد السلبي، فتبحث عن كل صغيرة وكبيرة لدى حزب معين، وتترك الأيدي والأرجل تسير مجرى الرياح في حزب آخر أو مرشح معين.
نريد انتخابات تكون فيها سلطة الوصاية، يقظة اتجاه استعمال المال في الانتخابات، فتبادر إلى محاصرة هذه الممارسات قبل شكايات الأحزاب المتضررة.
وفي الأخير نريد انتخابات تشارك فيها أحزاب مسؤولة وتتمسك باستقلالية قرارها، وتعمل على الرفع من مستوى الممارسة السياسية في بلادنا، وتبتعد عن السفاهة السياسية والرداءة الانتخابية. أحزاب سياسية وليست حركات موسمية لا تتحرك سوى عند كل انتخابات.
فهل تتحقق هذه المطالب المتواضعة في انتخابات شتنبر القادم، أم أننا سيكون قدرنا انتظار انتخابات قادمة. نعتقد أن هذه المطالب مهما حصل من نكوص ديمقراطي بعد القاسم الانتخابي، ستتحقق يوما ما لأن مغرب الغد لن يكون إلا أفضل من مغرب اليوم. وهذا ما بشرنا به تقرير لجنة النموذج التنموي. يضا كيف وقفت
سعيد الغماز