تـفـروت لحسن
يخلد العالم يوم 11 أبريل من كل سنة، اليوم العالمي لأحد أنواع الخرف عطورة، والذي تصيب الأشخاص المسنين، والمعروف بمرض باركينسون Parkinson، والذي تتداخل عدة مقاربات للتعامل معه، منها المعالجة الطبية، والنفسية والاجتماعية. وهذه الأخيرة هي هم الأخصائي الإجتماعي في تعامله مع الشيخوخة بأعطابها، الظاهرة والخفية.
وهناك طريقتان معتمدتان في العمل الإجتماعي الخاص بالأشخاص المسنين، لكنهما غير معرفتان في المجال التداولي العربي عامة والمغربية خاصة، فلا نجد لمها لا تقديما ولا تفصيلا ولا تحليلا باللسان العربي، رغم كون الطريقتين معترف بهما ومشهورتان في السوسيولوجيا، خاصة في معالجة ظاهرة الشيخوخة.
يتعلق امر الطريقة الأولى بالعلاج بالتقدير thérapie par validation الذي قعدته نعوم فيل Naomie Feil منذ 1963 بأمريكا، والذي تم ادخاله للارض الفرنسية سنة 1982، والذي يستثمر في التعامل مع الطاعنين في السن والذين يعيشون وضعية الخرف كالزهايمر وباركينسون، والذين يتصفون بفقدان التوجيه وضعف وانعدام التركيز.
أما الاختيار الثاني فقد تبنته المنظمة العالمية للصحة OMS ، منذ 2018، وهو الذي يقصد المراهنة على استقلالية الشخص المسن وفك حبل تعلقة بالغير. وهذه الطريقة تسمى العلاج المندمج للأشخاص المسنين ICOPE. ورغم أهمية الطريقتين، فسنحاول، في هذا السياق، تقريب المقاربة الأولى الموسومة بالعلاج بالتقدير.
ورغم أن البعض يرفض الشيخوخة بالأوهام كصبغ الشعر أو محاربة التجاعيد…، فإن ارذل العمر هو مال صيرورة الحياة لمن أطال الله في عمره. فلا داعي للتحايل على الشيخوخة، فهي لقطة من حياة نحياها بالفعل وليس بالتأمل. فارذل العمر يخيف البعض ممن لا يؤمن بالتطور والنمو، الملازمان للتنشئة الاجتماعية، فالكهولة هي مجرد نشوء وارتقاء الكائن عامة والكائن البشري حاصة.
” الشيخوخة ” أو ما يكافئها من الدلالات من قبيل ” الهرم ” و “الشيب ” و” أرذل العمر” و” المسنون “والكهولة…تضمر في طياتها الكثير من الحزن والمعاناة والحكايات، وتخفي خلفها نعوثا سلبية يعبر عنها بألفاط سيئة السعة؛ مثلا في الدارجة المغربية يشار للطاعن في السن ” الشيباني ” أو ” الشارف الهارف ” أو ” العقيس” أو ” الشيبة العاصية ” أو ” كبة من الشيب “… وحتى في العربية المعيارية تلصق بذوي أرذل العمر تعابير قدحية منل” ” عجوز شمطاء ” و ” عجوز عقيم “… وكيفما كانت الإيماءات والإشارات، فإن المجتمع يعامل المسنون ككائنات منتهمة الصلاحية des parias. هذا ما عبرت عنه الفيلسوفة سيمون دوبوار De Beauvoir في مؤلفها عير المترجم للعربية « La vieillesse »، الصادر سنة 1970 والذي تحول إلى فيلم فيلندي سنة 1975. ولهذا، فإن هذا النوع من التعامل غير العادل مع هذه الفئة يستلزم الإهانةة والحط من كرامتها ومن إنسانياتها. وهذا ما حاولت الباحثة البلجيكية “جاكي jacquet ” رصده في دراستها للشيخوخة في المغرب ، بصور ونماذجها.
ورغم أن الشيخوخة هي مصيرنا، بل و هي صيرورة الكائن عامة والبشري خاصة، فإن التعامل مع هذه الفئة تتباين حسب الظروف والمجتمعات، فقد يجد الشيخ نفسه بين أيدي أعضاء الأسرة والعائلة الذين يباشرون مرافقة المسن والاهتمام بأحواله الصحية والنفسية. علما أن هذه الرعاية تؤسسها محددات ثقافية واجتماعية ودينية، حيث يكون البر بالوالدين مثلا من الواجبات التي تلزم الأبناء والأقربون بتحمل المسؤولية. وكل تفريط في هذه المسؤولية يكون من باب العقوق الثقافي والشرعي. وفي حالة غياب هذه الإمكانية التلقائية بسسب تحولات المجتمع المعاصر، خاصة ظروف العمل والوظيفة والعيش في شقق المدن مثلا، حيث يتم وضع الشخص المسن في مؤسسات تحمل أسماء متقاربة من قبيل: مؤسسات الرعاية أو الحماية الإجتماعية أو دار المسنين أو دار الراحة وأحيانا دار العجزة…وهذه المؤسسات تدبر بطريقة نظامية في حالة إشراف الدولة، كوزارة التضامن أو وزارة الصحة، أو إشراف مؤسسات شبه عمومية، وقد تباشر تسييرها جمعيات بطريقة تلقائية. كما أن الفئات التي تباشر مصاحبة هذه الفئة متنوعة ومختلفة، وتسمى هذه الطبقة ب ” المرافق الاجتماعي ” أو ” المساعد الإجتماعي ” أو ” العامل الإجتماعي ” أو ” المصاحب الإجتماعي “… والذين يكونون محكومون بمستوى تكوينهم ووضعيتهم، حيث نجد منهم العامل الاجتماعي الرسمي النظامي كإطار طبي أو موظف اجتماعي أو متطوع جمعوي… والجميع يحكمه القانون، مثلا في المغرب نجد القانون – الاطار 45/18، المنظم لاختصاصات العامل الاجتماعي وتحديد مجالات تدخلاته، ومنها رعاية المسنين.
ربما يبدو للبعض أن موضوع الشيخوخة غير ذي أهمية، لكن العكس هو الصحيح، فالدراسات الديمغرافية بينت أن العالم سير بخطى سريعة نحو الشيخوخة، ما يقارب 35 في المائة، والتي يتوقع أن تصل سنة 2050 إلى مليار شخص. والمغرب لا يحيد عن هذا الوضع، حيث سرطان الشيخوخة ينخر جسم الأسر المغربية، في صمت. فمنذ سنوات بدأ شبح الشيخوخة يزحف على المجتمع المغربي، حيث تزايدت أعداد المسنين في المملكة حتى بلغت بنسبة 35 بالمائة.. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم حسب وزارة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية، ليبلغ تقريبا الضعف بحلول عام 2030، على أن يواصل الارتفاع ليبلغ أكثر من 10 ملايين مسن بحلول عام 2050.
والمعلوم أن الدول التي أحست بهذه الطاهرة كتفت جهودها للنهوض بهذه الفئة والاهتمام الجدي بقضاياها؛ بصحتها و كرامتها، وهكذا تم توفير الشروط الضرورية لنعيش الشيخوخة في هدوء وسلام، فتم توفير البنيات التحتية من دور الرعاية النفسية والاجتماعية، وتمت اعادة هيكلة المدن وهندستها لتلائم حاجيات هذه الفئة، وباختصار أصبح للشخص المسن حقوقه الإنسانية التي تلزم كل السياسات، رغم اختلاف الوانها، بالحفاظ على المكتسبات.
ولا ننكر أن المغرب قد بدأ يخطو حذو الدول التي تهتم بالشيخوخة، حيث خصص وزارة للتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، كما وزارة الصحة أضافت اسم الحماية الاجتماعية، بل إن الحكومة اصدرت في غشت 2022 القانون 45/18، وقوانين فتح دور الرعاية الاجتماعية، كما أن وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة أخرجت البرنامج الوطني المندمج للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين 2020-2030، دون نسيان تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، دون أن إغفال دراسة حول الشيخوخة بالمغرب التي أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2015.
لكن رغم ذلك، فإن واقع الشيخوخة في المغرب يشهد على ضرورة بدل المزيد من المجهودات للنهوض بها وتنميتها، على جميع المستويات، خاصة ما له علاقة بالاندماج الاجتماعي الذي يعول عليه في فك العزلة عن عزلة الأشخاص في وضعية الشيخوخة.
فماذا عن الشيخوخة المغربية ؟ تختصر ملامح الشيخوخة في قول الشاعر:
أقول وقد شابت شواتي، وقوست…. قناتي، وأضحت كدنتي تتمدد.
وهذه الملامح تنعكس على التوان النفسي والعقلي والاجتماعي، حيث أن النقص في قدرات الجسد ينعكس لدى الشخص المسن على الأداء والفعالية والتفاعل.
والمعروف أن المسنين في المغرب يتباينون حسب وضعهم الصحي ومدى تقدمهم في العمر، فإذا استثنينا الذين يعيشون في غرفهم تحث رعاية ومساعدة أسرهم، وإذا استثنينا القابعين خلف أسوار المؤسسات المعروفة باسم الرعاية والحماية، والتي يبقى الكلام عنها شبه محظور أو مسكوت عنه، فإننا نصادف أن المسنين يبحثون عمايلي:
التسلية: وهي ضالة جماعات من المسنين، خاصة الذكور، قي بعض مناطق المدن يوميا، وخاصة بعد صلاة العصر، الذين يلعبون الورق او الشطرنج، ” أوضاما “…علما أن هؤلاء من ذوي الهشاشة الاجتماعية، ويتجمعون في هذه الأماكن التي تفتقر الى الإمكانيات التي تحفظ كرامة هذه الفئة.
التزكية: بعض المسنين ينعزلون قرب المساجد أو داخلها وزواياها، يبحثون عمن يشاركهم أطراف الحديث عن ماضي الشباب وأمجادة، وعن الحسرة عن واقع الحال. ويعبر عنها باللسان الشعبي ” كول القوت وتسنى الموت “.
الإلهاء: أما في بعض المدن فتفتقت عقلية مسؤوليها بفتح دار المسنين ونادي المتقاعدين وحديقة المتفاعدين، وهي الأماكن التي تتجمع فيها فئة الذين مازالت لهم إمكانيات جسدية لممارسة لعب الكرة الحديدية، أو ما شابه ذلك.
ولقد سبق لعالمة الاجتماع البلجيكية ” إيزابيل جاكي “، في مؤلف صدر لها بعنوان “الشيخوخة في المغرب: قصص حياة وبورتريهات”، أن قدمت تحليلا دقيقا لشيخوخة السكان المغاربة في ارتباطها بظروف الحياة على شكل دراسة أنجزتها عام 2009. حيث ميزت بين “الشيخوخة في الفقر” و”الشيخوخة والغنى” في علاقتهما بالفرق بين شيخوخة الرجال وشيخوخة النساء. حيث
لا يمكن الحديث عن الشيخوخة دون التمييز بين شيخوخة النساء وشيخوخة الرجال.
ونظرا لكثرة المتدخلين في التعامل مع المسنين، وفي غياب منهج وطريقة واضحة، نقرب منهج العلاج بالتقدير عند ” نعوم فيل ” في ما يلي:
العلاج بالتقدير أو العلاج بالتعاطف la méthode de validation : ي الموقف المثمِّن المحترم وغير المتجاهل الذي طُوِّر للتعامل مع الأفراد المسنين، خاصة المصابين بالخرف، والذي فقدوا القدرة على التوجيه، وأصبحوا في حالة الارتباك. ويعتمد بشكل خاص على مواقف أساسية في العلاج المتمركز حول العامل الاجتماعي تهدف إلى قبول سلوك الأفراد المصابين بالخرف على أنها صحيحة بالنسبة لهم. ، ومن جهة أخرى التقدير هو هيئة خاصة من التواصل الاجتماعي تتميز بالقبول وعدم محاولة التصحيح وتحاول فهم وتبصر حاجية الشخص المعني.
ولقد تطُورت طريقة العلاج بالتقدير بواسطة نعومي فيل( Naomie Feil 1932)، وهي باحثة في السوسيولوجيا و عالمة في الشيخوخة Gérontopôle وعاملة اجتماعية ممارسة، هاجرت من ألمانيا في الحرب العالمية الثانية من ألمانيا نحو الولايات المتحدة الأمريكية، لتقضي حياتها في دار للمسنين كان والدها مديرا لها، حيث صاغت تقنياتها للتعامل مع المسنين من الميدان بعد معاشرة هذه الفئة لسنوات طويلة، حيث لم تبدأ في صياغة مقاربتها حتى سنة 1963. وتتلخص هذه المقاربة في افتراض أن الأفراد كبار السن المشوشين يكافحون جاهدين لشق طريقهم بين الأمور العالقة في حياتهم.. وتبعا لها يجب على العامل الاجتماعي الذي يتبنى طريقة التقدير أن يجعل من وظيفته دعم هؤلاء الأفراد في هذه العملية. فالعلاج بالتقدير هي طريقة وموقف للتعامل مع المسنين المصابين بالخرف، والتي يمكن استخدامها بشكل خاص في رعاية المسنين وكذلك في الحياة الاجتماعية بشكل عام. فالعلاج بالتقدير، ومناهجه لا يرى بأنه يجب أن يجعل مستخدم الطريقة من وظيفته رعاية ومصاحبة الأفراد المصابين بالخرف في عملية التأقلم مع “المهام العالقة”، وإنما قبولهم على هيئتهم الحالية وحالتهم الذهنية الحالية، وهذا يعني أن الأفراد المعنيين يصبحون أكثر هدوءا لأنهم يشعرون بأنهم مفهومون، علما أن. العلاج بالتقدير يستخدم العديد من التقنيات المحكومة بمبدأ الاعتراف بالغير، والاعتراف بالشخص المسن، وخاصة الطاعن غي العمر، منا أنها مؤسسة على الثالوث المعرفي السيكوسوسيولوجي: هرم أبرهام ماسلو، وعلاقة التعاطف عند إريك إيركسون وأزمات النمو النفسي الاجتماعي مع إريكسون. وهذا ما يتضح في ما يلي:
1 – حاجات المسنين حسب ماسلو Maslow : قدمت نظرية ماسلو وجهة نظر مختلفة في أنواع الحاجات التي تسير الفرد خلال حياته وأعطتها، وتعتبر من أهم النظريات التي فسرت الحاجات؛ حيث نظرت إليها نظرة دناميكية متسلسلة في أولوية الإشباع، فالحاجة التي يتم إشباعها تختزل وتعطي الأولوية في الاشباع لحاجة أعلى منها ولكنها تظل موجودة وتعود لتدفع الفرد نحو إشباعها عندما تسنح الظروف. ويرى ماسلو أن الانسان يولد ولديه سبعة أنظمة من الحاجات مرتبة هرمياً، تحتل الحاجات الفيزيولو جية قاعدة الهرم، وهي الحاجات التي تحافظ على بقاء الفرد والنوع، وتفرض التغيرات المصاحبة لمرحلة الشيخوخة أولويات جديدة لم تكن موجودة في ما سبق، وتظهر حاجات لم تكن بنفس الشدة، وتتوزع حاجات المسنين في المجاالت الصحية والنفسية والاجتماعية والترويحية والمادية والاقتصادية والدينية، ويمكن تلخيص أبرز ها بما يلي :
– الحاجة إلى الرعاية الصحية والأمن الاقتصادي : بسبب التدهور المستمر في الحالة تحتل الحاجة إلى الرعاية الصحية أهمية كبيرة لدى المسنين، نظ ا الصحية، ووجود الامراض المزمنة التي تجعل حياتهم أكثر صعوبة. كما يعتبر الحفاظ على دخٍل للمسنين من األمور الهامة، لمساعدتهم والوفاء بحاجاتهم.
– الحاجة إلى الانتماء والشعور بالأمان: حيث أن المسن يحس بالضعف وابتعاد الأبناء والمقربين وانشغالهم بأمور حياتهم وتركه وحيدا، ومما يزيده صعوبة احتمال تعرض المسن للإساءة المعنوية والابتزاز.
– الحاجة إلى ملىء وقت الفراغ : فالمسن بحاجة إلى ملىء وقت فراغه بتعلم مهارات جديدة تساعده على الخروج من العزلة، فهو بحاجة لأنشطة يملأ بها الفراغ الذي أصبح متاحاً بشكٍل كبير.
– حب القدر Amor fati وتقبل الحياة: تعتبر الشيخوخة مرحلة حتمية وعادية في حياة الإنسان. وهذا يستلزم اعتبارها قدرا محتوما لابد من تقبله، لكن رغم هذا السلوك في مواجهة الشيخوخة باعتبارها قدرا محتوما، فإن قياس الرضا عن الحياة لدى المسن تختلف نسبياً عن مصادر الرضا لدى الفئات الشابة، خاصة إذا عدم وجود من يهتم بالمسن في وقت الأزمات.
2 – التعاطف والتواصل عند كارل روجرز: وتتم عبر ما يعرف بالمقابلة الغیر موجھة، علاقة المساعدة أو الإنصات الفعال كما یعرفھ “كارل روجر” والتي تستلزم:
· لا یجب إصدار أحكام قیمة على ما یقولھ الفرد.
· لا یجب إبداء رأینا في الموضوع.
· لا یجب طرح أسئلة مغلقة أو تستدعي إجابات معینة.
· طرح العشر أسئلة التي ذكرت سابقاً )خاصة المستشار( قبل البدء في المقابلة.
· إبداء اللطف و التواضع.
· إقتراح إعادة صیاغة الأقوال الغیر واضحة لتتأكد من فھمك الجید لما صدر عن الفرد.
· تفادي إبداء القدرة على إعطاءك للحلول
.- لا تطرح الأسئلة إلا بھدف التبسیط أو التخفیف أو توضیح بعض الأمورودخل كافي ورفقة طيبة من أهم ما يتطلع إليه المسن كي يشعر بمستوى جيد من الرضا عن الحياة.
3 – تتداخل أزمات النمو نالنفسي – الاجتماعي للشخص المسن – اريكسون –
انطلاقا من مراحل النمو النفسي الاجتماعي، أو ما يعرف بأزمات النمو النمانية، ترتب مرحلة تكامل الذات مقابل اليأس على المرتبة الاخيرة في اخر سلم النمو
في نموذج أريكسون للنمو النفسي الاجتماعي للأنا، انها مرحلة الأزمة الأخيرة.
فالكهولة و الشيخوخة، هي المرحلة النهائية من حياة الإنسان مع كل ما تحمله من نكوص بدني و صحي وضعف للفعالية الاجتماعية بل و كل ما يعنيه قرب الموت، و بكل ما يعنيه موت الأقران و الرفقة و الأصدقاء و ربما شريك الحياة. هذه الأحداث تبدو كما لو كانت ستؤدي إلى مشاعر اليأس لدى الجميع، إلا أن هذه ليست الحقيقة المطلقة، فمشاعر الفرد و نموه النفسي الاجتماعي يرتبط بالتاريخ السابق للفرد.
وحسب أريكسون فيأس الشيخوخة ليس باليأس الذي يقعد الإنسان عن العمل، بل إن الفرصة متاحة أمام هذا الفرد لكي يُحسّن شخصيته و أن يُقوّي الجوانب الإيجابية لديه، و ذلك بتوفير مصادر جديدة للثقة. و إذا تهيّأت له فرص على التغلب على مشاعر الشك و الدونية و الخجل،و الشعور بالاستقلال و المبادأة، فإن ذلك يساعده كثيرا أن يحقق قدرا من الإنجازات في المجالات الأساسية في حياته .وإذا استطاع الفرد حل هذه الأزمة، فهذا يؤدي إلى كسب الأنا لفاعلية جديدة هي الحكمة، و التي تعني اهتمام الفرد بالحياة نفسها و رضاه عنها و مواجهة الموت من غير خوف، مستمدا قوته من ماضيه الذي ينظر إليه. وهذه الحكمة في التعامل مع الحياة و قبولها و قبول نهايتها هي يدعم إقبال المسنين على الحياة من غير خوف و بارادة القوة، ارادة الحياة.
يتبين، إذن، أن طريقة العلاج بالتقدير، بمزجها بين هذه الامكانيات الثلاث، بين ماسلو واريكسون وروجرز، تفتح أفقا جديدا يسعف في تناول مغاير لواقع الشيخوخة، بامكانيات الاعتراف بها والنهوض بواقعا، وبفك العزلة عن عزلة المسنين.