شكل التعويض عن فقدان الشغل موضوع نقاش ودراسة لدى مجموعة من المهتمين منذ سنة 2000 قصد ادراجه ضمن مقتظيات مدونة الشغل سنة 2003 ،وهو الامر الذي تأتى فعلا من خلال تنصيص المشرع صراحة ضمن مواد المدونة على هذا التعويض و ذلك من خلال المادتين 53 و 59 من مدونة الشغل . الا أن هذه المقتظيات قد جعلت امكانية الاستفادة من هذا التعويض مقرونة بصدور القانون التنظيمي المتعلق به ، لاسيما و أن المقتظيات التي جاءت بها مواد مدونة الشغل لم توضح الجهة المكلفة بأداء هذا التعويض وكيفية حسابه ، مما جعل طريقة الاستفادة منه تطرح الكثير من الغموض، حتى صار البعض يتقدم امام محاكم الموضوع بطلب التعويض عن فقدان الشغل الى جانب باقي الطلبات الاخرى الناتجة عن عقد الشغل و عن الفصل التعسفي ،بالرغم من ان المشرع لم يحدد بعد الجهة المسند اليها اداء هذا التعويض.
وقد بقيت المقتظيات القانونية المؤطرة للتعويض عن فقدان الشغل مجرد حبر ورق منذ تاريخ دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ سنة 2004 الى غاية22 اغسطس 2014 تاريخ صدور القانون رقم 03.14 الذي سيغير و يتمم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي،و الذي حدد شروط الاستفادة من هذا التعويض.
فبالرجوع الى مقتظيات القانون 03.14 التي اسندت مهمة أداء هذا التعويض الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فقد حددت كذلك مجموعة من الشروط الموضوعية والتي نص عليها من خلال الفصل 46 مكرر من نفس القانون والمتمثلة فيما يلي :
الشرط الاول : أن يكون الأجير قد فقد شغله بكيفية لا إرادية:
فمن اجل الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، اشترط المشرع أن يكون الاجير قد فقد شغله بكيفية لا إرادية، بمفهوم المخالفة فان الأجير الذي فقد شغله بكيفية إرادية لا يمكن له الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل كإنهاء عقد الشغل عن طريق الاستقالة أو المغادرة التلقائية.
فالتساؤل الذي قد يتبادر الى الذهن هو متى يتحقق شرط فقدان الشغل بكيفية لا إرادية؟
وكما يقال فالمناسبة شرط وفي ظل الوضعية الراهنة التي يشهدها العالم بسبب تفشي فيروس كوفيد 19 في مختلف بقاع العالم ، وانه ونتيجة لذلك هل يمكن اعتبار مغادرة الاجير للعمل بسبب تفشي فيروس كوفيد 19 المستجد بمثابة مغادرة لا ارادية للعمل أم لا ؟
ففي إطار الإجابة على هاذان التساؤلان، فبالنسبة للأول فانه عندما نتحدث عن فقدان الشغل بكيفية لا إرادية ،فان المقصود ان يكون الاجير قد فقد عمله لسبب لايعود اليه . وبمفهوم المخالفة فمغادرة الاجير لعمله بشكل تلقائي و دون مبرر مشروع، ينتفي مع الشرط السالف الذكر للاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل ،و لا يشكلا مبررا يتيح للاجير امكانية الاستفادة من هذا التعويض،هذا الى جانب باقي الشروط بطبيعة الحال و التي سيتم الاشارة اليها لاحقا في هذا المقال.
ومن جهة أخرى فبخصوص الاجابة عن التساؤل الثاني ، ونظرا الى ان الاجابة عنه بشكل مقتظب لن يفي بالمطلوب، نظرا في كون الامر يقتضي تحليل مجموعة من المقتظيات القانونية المنصوص عليها بقانون الالتزامات و العقود الى جانب مدونة الشغل ،لذلك ارتأيت ان اجعله موضوع مقال قانوني قيد الدراسة تحت عنوان “جائحة كورونا وانعكاساتها على عقود الشغل”.
الشرط الثاني : أن يثبت الأجير توفره على فترة للتامين بنظام الضمان الاجتماعي
يستشف من خلال الفصل 46 مكرر من القانون 03.14 أنه من اجل استفادة الأجير من التعويض عن فقدان الشغل، يتعين عليه كذلك أن يثبت توفره على فترة التامين بنظام الضمان الاجتماعي لا تقل عن 780 يوما خلال السنوات الثلاث السابقة لتاريخ فقدان الشغل، منها 260 يوما خلال الاتني عشر شهرا السابقة لهذا التاريخ، و لا تدخل في احتساب هده المدة الأيام المسجلة برسم التامين الاختياريا.
الشرط الثالث :أن يكون الأجير مسجلا كطالب للشغل لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات:
ويتم اثبات ذلك غالبا عن طريق وصل وضع طلب التسجيل لدى الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل و الكفاءات قصد الحصول على منصب شغل . ومن منظور شخصي أعتقد ان هدف المشرع من وراء تنصيصه على هذا الشرط هو التأكد من نية الاجير في الحصول على منصب شغل جديد ، و أن الفترة المشمولة بالاستفادة لا تعدو أن تكون سوى مجرد ظرفية عرضية وعابرة .الشرط الرابع
4- أن يكون الأجير قادرا على العمل ،
حيث لا يتصور ان يكون الاجير غير قادر عن العمل وفي المقابل يتقدم بطلب الاستفادة عن التعويض عن فقدان الشغل ،ذلك انه في هذه الحالة نكون امام حالة الاجير المصاب بزمانة ،والتي تجعله يستحق راتب الزمانة او المعاش، والذي عالجه المشرع من خلال الفصل 47 من ظهير نظام الضمان الاجتماعي.
وتجدر الاشارة الى ان مدة الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل لايمكن ان تستمر الى ما نهاية،حيث تظل فترة استفادة الاجير من هذا التعويض فترة مؤقتة و عابرة في انتظار الحصول على منصب شغل جديد ،وقد حدد لمشرع من خلال الفصل 46 المكرر مرتين من القانون السالف الذكر مدة الاستفادة من هذا التعويض والتي لا يمكن ان تتجاوز في جميع الاحوال مدة ستة أشهر تبتدأ من اليوم الموالي لفقدان الشغل .
اذن هذه اهم الشروط الموضوعية التي اشترطها المشرع ان تتوفر في الاجير الذي يرغب في الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل ،أما فيما يتعلق باجراءات الاستفادة من هذا التعويض ،فقد أوجب المشرع على الاجير طالب التعويض أن يقوم باتباع مجموعة من الإجراءات الشكلية تتمثل في ما يلي :
1- إيداع طلب التعويض عن فقدان الشغل:
من اجل الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، أوجب المشرع – من خلال الفصل 46 مكرر ثلاث مرات من القانون رقم 03.14 – على الأجير إيداع طلب لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،داخل اجل الستين يوما الموالية لليوم الأول من فقدان الشغل ما عدا في حالة قوة قاهرة ،تحت طائلة سقوط حقه في الاستفادة من التعويض.
2- التصريح باستئناف العمل من جديد:
حيث نص المشرع المغربي فيحيث يستشف من مقتظيات الفصل 46 المكرر أربع مرات من القانون 03.14 على انه يتعين على الاجير الذي حصل على عمل خلال الستة (6) أشهر المستحق عليها التعويض عن فقدان الشغل، أن يخبر بذلك كتابة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي داخل اجل لا يتجاوز ثمانية أيام تحتسب ابتداء من تاريخ حصوله على العمل ،وفي حالة مخالفة الاجير للمقتظيات السابقة فان ذلك من شأنه ان يعرضه لعقوبات منصوص عليها في اطار الفصل 75 من ظهير 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي ، والتي تتمثل في الغرامة ما بين 500 و 10000,00 درهم مع امكانية مضاعفتها في حالة العود .
3- استفادة ذوي حقوق الأجير من التعويض عن فقدان الشغل
قد يتوفى الأجير الذي سبق ان تقدم بطلب التعويض عن فقدان الشغل، و في هذه الحالة جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 46 المكرر مرتين من القانون رقم 03.14 انه في حالة وفاة الاجير المستفيد من التعويض عن فقدان الشغل، يصرف مبلغ التعويض المستحق له غير المدفوع له في تاريخ وفاته لذوي حقوقه ، أما بخصوص طريقة استفادة ذوي حقوق الأجير المتوفى من مبلغ التعويض عن فقدان الشغل، فانه يتم عن طريق تقديم طلب الاستفادة من المبلغ المتبقي من التعويض، وفقا لنموذج تم اعداده من قبل مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .
بعد الاشارة الى اهم الشروط والاجراءات القانونية المنصوص عليها قصد استيفاء مبلغ التعويض عن فقدان الشخص ، أعتقد من وجهة نظر شخصية أن طريقة الاستفادة من هذا التعويض في الواقع العملي لا تزال تعتريها العديد من الصعوبات وتطرح العديد من الاشكالات ،لعل أهمها يتمثل في كون نموذج طلب التعويض عن فقدان الشغل ذي المرجع عدد 26-1-310 الذي تم اعداده من قبل مؤسسة الضمان
الاجتماعي قصد تسهيل عملية الاستفادة على الاجراء ، الا انه و بالرجوع مضمون هذا الطلب نجده يتضمن حيزا مهما منه مخصص للمشغل السابق قصد تضمين بيانته ثم توقيعه وخاتمه ، و بالتالي كيف يعقل لأجير تعرض للطرد التعسفي من قبل مشغله ، ومدى تاثير تداعياتهذا الطرد على العلاقة الشخصية بين الطرفين ، وفي الاخير ينتظر الاجير من مشغله السابق ان يوقع ويؤشر له بكل سهولة على الحيز المخصص للمشغل في نموذج او مطبوع طلب الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل.
هذه اذن بعض النواقص التي تشوب و تعتري مقتظيات القانون 03.14 ، والتي نتمنى من المشرع ان يتداركها حتى تتضح الصورة أكثر، وكيف لا وان الامر يهم فئة اجتماعية جديرة بالحماية .
ا
لاستاذ رضا أعابد محام بهيئة أكادير