منذ انطلاق أشغال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أعلنها الملك محمد السادس عام 2005 بغاية رفع مختلف مظاهر التهميش والفقر عن بعض جهات المملكة، وهي تشوبها مجموعة من الشكوك والاتهامات، خاصة من لدن كل من الفاعلين الحقوقيين و الباحثين في مجال التنمية.
ولم تقف حدة الانتقادات عند هذا الحد؛ بل إنها بلغت إلى درجة أن أعلن الملك محمد السادس عن عدم رضاه على نتائج هذه المبادرة في خطاب العرش قائلا: “إنها لا تشرف وتبقى دون طموح المغرب”.
ابن حي الجرف والفاعل الجمعوي والحقوقي بمدينة انزكان الاستاذ محمد امنون والباحث في ميدان التنمية والمجتمع المدني ، في تدوينة مثيرة على صفحته الاجتماعية ” فيسبوك ” يقول متحدثا عن مدينة انزكان : “هل تخرج عملية تشكيل اجهزة الحكامة لمشروع المبادرة الملكية للتنمية البشرية من تلاعب الكائنات السياسية لتسقط في فخ بعض الكائنات السلطوية التي بدأت مقاربتها الاقصائية تلوح في الأفق ؟؟ ” .
وفي اتصال مع امنون، اشار ان اسباب نزول التدوينة ترجع الى ممارسات بعض مسؤولي السلطة الذين بدأوا بطريقة سرية وعبر مقاربة اقصائية سلطوية يميزون بين الفاعليين المحليين في تشكيل اللجنة المحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في نسختها الثالثة وهو ما يتنافى وتصاريح المسؤولين مركزيا على راسهم السيد محمد الدردوري، الوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في تصريح لوسائل الاعلام على هامش انعقاد فعاليات الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (أفريسيتي) بمراكش، حيث صرح إن المبادرة في نسختها الثالثة ستواصل العمل مع الجمعيات المغربية، التي يتوفر أعضاؤها على مستوى معرفي وتعليمي محترم. مضيفا : ” إن الهدف من هذا الإجراء هو الرفع من نجاعة المشاريع التي تحظى بمواكبة المبادرة، من خلال الاعتماد على الجمعيات التي تتوفر على أطر ذات كفأة وقادرة على إعطاء قيمة مضافة لضمان نجاح المشاريع التي تطلقه … ” ، وما يروج اليوم عن اقتراحات سرية بحي الجرف و غيره لتشكيل اللجنة المحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية المبنية على معيار الولاء وليس على معيار الكفاءة ، هو اسلوب يفرغ شعار التنمية من محتوياته الفعلية ، وسوف لن تكون المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بهذه المدينة الورش الاول والاخير ، لكن الوضوح والشفافية ومعايير الكفاءة في تشكيل اللجنة المحلية هو وحده الذي يخدم الاهداف المتوخاة من هذا المشروع الملكي، اما اساليب الكولسة و الطبخ و الاقصاء و الانتقامات فهي تفرغ كل شعار يتعلق بالتنمية … الامر الذي يطرح اكثر من تساؤل حول الدوافع الحقيقية لاستدعاء واختيار بعض الفاعلين دون اخرين وتحطيم آمال فاعلين اخرين ؟؟ ولكن كما يقال اذا ظهر السبب بطل العجب .
الى ذلك اضاف امنون أن من بين أسباب فشل هذه المبادرة سابقا هو غياب الشفافية والديمقراطية في تشكيل اجهزتها الحكماتية و خاصة فرق التنشيط المحلية واللجنة المحلية وحتى الاقليمية حيث غابت معايير الكفاءة لتحل محلها معايير الولاءات الحزبية والسياسية وحتى السلطوية … واليوم كنا ننتظر كفاعليين محليين بعد هذا التغيير الحاصل على مستوى اجهزة الحكامة للمبادرة وبعد الاعتراف الصريح لجلالة الملك بفشل التجربة التنموية السابقة … تجاوز المقاربات التقليدية لصالح مقاربة ديمقراطية انفتاحية شفافة على كل الفاعلين/ المواطنين دون تمييز، كما قال جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرة 60 لثورة الملك و الشعب: ” … المغاربة كلهم عندي سواسية دون تمييز، رغم اختلاف أوضاعهم وانتماءاتهم. إذ لا فرق بين رئيس بنك وعاطل، وربان طائرة وفلاح ووزير. فكلهم مواطنون، لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات… ” .
فالمواطن الحر والكفء المتسم بالشجاعة عنصر اساسي ورئيسي في العملية التغيرية بصفة عامة والتنموية بصفة خاصة، اما العناصر المتملقة التي تسوسُ نُخاعَ المجتمع و الفاقدة للكرامة و عزة النفس فلا تصنع مستقبل ولا حضارة ، المواطن الحر الشجاع المؤسس على قيم و اخلاق المؤاثرة لا الأثرة يعتبر سبيلا من سبل إنجاح المبادرة من أجل تنمية وطنية بشرية ملؤها التكامل والتضامن والتعاون… فكلما كان احساس الفرد بالوطنية والمواطنة اصيلا و قويا ، كان اسهامه في التنمية البشرية فاعلا و مؤثرا، و بالتالي حينما نؤكد على وجوب احترام مبدأ سواسية المواطنين كأحد ابرز واسس وجوه أخلاقيات المواطنة ، نكون في الوقت نفسه نؤكد على ترسيخ أسس التنمية البشرية التي تهدف إلى تحقيق التقدم والرفاهية لجميع أفراد المجتمع فالتنمية الحقيقة و المستدامة تتحقق بالناس ومع الناس من اجل الناس … فالعلاقة بين احساس الفرد بالوطنية والتنمية البشرية علاقة متينة، على أساس أن بناء الوطن هو قوام المواطنة، و التنمية البشرية هي بناء الوطن بالمعنى الشامل.
وأوضح المتحدث أن الالتزام بمبادي سواسية الفاعليين ودمقراطة مقاربة تشكيل الاجهزة الحكماتية والشفافية والكفاءة سيجعل من المبادرة قاطرة لرفع ترتيب المغرب بسلم التنمية البشرية استجابة للتقارير الدولية والانتقادات التي تؤثر على الاستقرار الاجتماعي و صورة المغرب عالميا، ناهيك عن المساهمة في جذب الاستثمارات … ولذلك فان اضفاء قيم الاخلاق و الكفاءة و الشفافية على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هو اضفاء لاستراتيجية الدقة والملائمة وضمان الاستمرارية لتحقيق النتائج المنتظرة بكل دقة وبعيدا عن الارتجالية والسلطوية … والمبادرة بأجهزتها كما هو مسطر من الحكامة ما يجعل منها ليست مبادرة فقط بل برنامجا قويا مليء بالمبادرات والاستراتيجيات التنموية ، ثقافيا ، اجتماعيا ، رياضيا ، دينيا واقتصاديا …الخ”.
.