أكتب وأنا تحت صدمة الفاجعة الذي أودت بحياة أحد جيراني.. ذاك الشاب الخلوق الطيب والمعشر والأصل.. الضابط الذي أنهى مساره الدراسي والمهني بعبقرية استثنائية كما يشهد بذلك سجله وشهادة زملاذه ورؤسائه ليكون من النخبة التي التحقت قبل سنة بولاية مراكش برتبة ضابط..
هذا المجهود الجبار الذي ساهم فيه الجميع إن على مستوى أسرته الكريمة الطيبة السمعة بانزكان أو على مستوى الدولة في بناء هذا الإطار المتميز كي يخدم وطنه..
كل هذا المجهود الجبار يسقط بين أعيننا برمشة عين.. وفي ثوان معدودة..
صحيح وبكل وعينا الإيماني بقضاء الله وقدره…لا يشفعنا بالمرّة ان نسكت عن الحرب القدرة التي تعرفها إنزكان المدينة وخاصة أحيائها القديمة..
نعم هي حرب يوميّة تبدأ مع منتصف النهار إلى منتصف الليل وأكثر..يتحكّم في هذا التوقيت التحاق بائعي المخدرات بكل أنواعها الي نقط البيع الموزع على طول وعرض ازقة المدينة.. وخاصة البولا الحمراء او القرقوبي لا باعتباره في متناول الجميع فحسب بل إن مفعول هذا المخدر يحوّل صاحبها إلى وحش آدمي خطير ضد نفسه وعائلته ومحيطه..
ومن يعود إلى تفاصيل هذه الجريمة سيجد ان السبب الحقيقي الذي آزرنا نحن العائلة والجيران والوطن في هذا الضابط رحمة الله عليه هو البولا الحمراء..
هو الغياب التام في اعتبار ملف المنظومة كأولية استعجالية بالمدينة والإقليم بصفة شمولية.. والبحث عن سبل تعزيز وتقوية تواجدها في النقط السوداء والكثيرة – للأسف – بالمنطقة
فالمدينة ليست سوقا كبيرا كما يروج لنا البعض ولا تنحصر مشاكلها في ميزان الأداء عند أبواب أسواقها.. او فرصة للسمسرة هنا أو هناك..
مدينة أخرى تقع تحت وطأة المخدرات والسرقة.. تحت وطأة العصابات قد تتجاوز احيانا القدرات البشرية لرجال الأمن في بعض الحالات.. وليس هذا مبررا لترك المدينة تحت رحمة البزناسا ومروجي الأقراص المهولسة.
الأمر لم يعد مقبولا..
فقد آن الأوان ان يفتح النقاش حول المنظومة الأمنية بالمدينة باعتبارها مسؤولية الجميع مؤسسات ذات التخصص.. وجمعيات المجتمع المدني والإعلام والصحافة.. والمؤسسات التعليمية وجمعيات الأباء..
مسؤوليتنا جميعاً في إنقاذ المدينة من هذه الحرب القدرة التي تفجعنا في اقاربنا وجيرانا وعموم الساكنة بشكل شبه يومي تقريبا..
هي فواجع أيضا تكشف لنا بالملموس ان إنزكان لا تتوفر على مستشفى إقليمي بمواصفاة في حدودها الدنيا.. إذ يمكن اعتبار قاعة المستعجلات بهذا المستشفى قاعة انتظار لا غير..
وقد تبيّن من خلال هذه الواقعة لحظة وصول الفقيد الغياب الكلى الوسائل البسيطة لإيقاف النزيف من جهة كما تفرضه العملية الاستعجالية لإنقاذه..
وهو التناقض السافر الذي يجعل المدينة التي ينظر إليها كأغنى مدينة من حيث الموارد.. تفتقر إلى مستشفى مجهز بالحد الادنى على الأقل من التجهيزات والوسائل اللوجستيكية..
مدينة بحجم انزكان ومحيطها المليوني وأحوازها وبهذا الهشاشة والفقر تعيش اليوم وضعا كارثيا على مستوى البنيات الخدماتية والتمربضية.. حتّى أنّه قيل هناك المغرب وهناك إنزكان..
المدينة ليست بقرة حلوب.. ولن نكون مجرد أرقام تنتظر ان تسقط ضحية يوماً.
المدينة اليوم واللحظة وبهذه الجريمة البشعة التى ذهب ضحيتها وبشكل مجاني إطار وطني تخرج بكل عزيمة كي يخدم وطنه..
الجريمة بهذا البشعة تدفع عامل الإقليم الى جانب كل الفعاليات السياسية والمدنية والإعلامية أخد زمام مبادرة الترافع لدى السلطات الولائية والمركزية من أجل تطوير المنظومة الصحية بالإقليم عبر مستشفى بمواصفاة عالية من جهة.. وتعزيز القدرات البشرية واللوجستيكية للمنظومة الأمنية بالمدينة..
فليس قدرنا ان نعيش هنا بمنطق السوق..
مع تجديد الرحمة والمغفرة على فقيدنا الضابط الشاب الخلوق وإنا لله وإنا إليه راجعون
يوسف غريب