بعيدا عن ألواح النبي موسى.. ولم ينشق له البحر هروباً.. بل اختار أن يخترقه متكئاً على حدس داخليّ بنقل مقعده الدراسي باكراً الي جانب البحر… ويتخرج بجراب على ظهره.. باحثاً عن توأمه الثاني…
بعد 34 سنة يعود – ونحن معه – عبر ألواح موجية منسوجة على حافة أرصفة الموانئ..والمضايق..
بين زرقتي البحر والسماء..
ألواح أو أمواج لا فرق..
مذكرات أوذكريات..
هي عناوين لتجربة إنسانية استثنائية وسط البحر ومرنزيته كفضاءً لحريةٍ دون نهايةٍ.
عالم قائم بذاته، وبكافة الأوجه والمصائر.
وجودٌ بلا ثوابت ولا حقائق ولا نهايات ولا أسوار
هناك كان البحّار.. أسئلة ورغبات
مواقف وأحداث ممتدة بطول البصر.
هنا بين السماء كأنها بحراً مقلوباً الى فوق
بين أعلى لا أرض له وأرض لا سماء لها…
هو الأفق المائي..
حيث الدهشة والوحشة..
وهنا داخل الكاتب وانت تتابع قراءة هذه الألواح ترسم شخصية الكاتب في وحدته المتنوعة..والمتقلبة تقلب الجو والرياح..
غريبا وسط أجناس وثقافات حيناً
و مؤنسا داخل جماعات وألسن وعادات..
كان جمعاً بصيغة الفرد..
وكان فردا بلون جنسيته.. ولغته ودينه..
فانتصر للغة الأم حيناً.. ودافع عن قوميته.. وفجرّ عمقه الإنساني اتجاه كل الأجناس البشريةا لأخرى
كان مغربيا صرفا..في الفصل بين ما هو محلي وقومي أممي..
هي ألواحه الآن وحين نعود معه إلى تفاصيلها نلامس كيف أن بحّارنا كان قويّا أمام الانزلاق نحو المافيوزية وامتيازاتها آنذاك.. لولا هذه الحضانة الأخلاقية والتربية على احترام شرعية وشرائع الأمم وقوانينها..
مقابل هذا الذكاء في تدبير الوقت والحاجة وحسن التصرف مع مواقف وأحداث..
ومع استمرارية الحكي تدهشك هذه العصامية الناذرة في التعلم والوعي بها.. حتى أنه عاد من البحر بأكثر من ست لغات.. ومهارة ضبط ايقاعات محركات السفن من نبرة صوته..
وحيداً.. مغامراً.. وشجاعا وإنسانيّاً
هي انطباعتنا.. بعد اللوحة البحرية الأخيرة..
لوحات بطعم الحياة والطوفان،
الفيض والانحسار،
الأهوال والهدوء،
الغربة والحضور،
هو الذهاب بلا عودة
وعودة بفرح الولادة
هو حافظ الأسرار ووشوشة الأغيار
هي انطباعاتنا
أما البحار
فكان رفيق نفسه حتّى نهاية اللعبة ونسي أن يودّع البحر
وتذكر بعد مدّة
ثمّ عاد إليه
عبر الكتابة.. والتأليف.. بسيرة ذاتية لسارد لم يخلق الا لكي يكون بحارا ويجاور البحر
في هدوئه وصخب أمواجه
في عمقه وكرم عطاءاته.
عاد إليه بقبّعة كاتب
بجانب قبعة الربّان
يوسف غريب