بدءاً.. بتجديد الرحمة والمغفرة على شهداء مثل هذا اليوم قبل ستّين سنة.. وبالصحة والعافية لمن يتذكرون هذه اللحظة الآن وبقلّتهم وخاصة من كان يتابع أحداث فيلم ( كِنْكو) بقاعة سوليما السلام.. ليجد المدينة بعد الخروج وكأنها امتداد للفيلم نفسه وبقوته التدميرية..
هم الآن وطيلة ستّين سنة.. ما زالوا ينظرون إلى هذه البناية وبطابعها الهندسي المتميز بالكثير من الامتنان والشكر لدورها في إنقاذهم من جهة… وبالكثير من الأسف والتحسّر على ما آلت إليه هذه المعلمة المعمارية كشكل هندسي فريد من جهة اومن خلال ما وشمت به الذاكرة الجماعية لساكنة أكادير عموما.
نعم…فبقدر ما نقل إلينا هؤلاء الناجون ما وقع تلك الليلة.. بقدر ما تعتبر أيضا المباني في عداد الوثائق المعتمدة في عملية ترميم الذاكرة الجماعية لهذه المدينة كما في جل المدن العالمية التى تتقاسم هذا الخط الزلزالي…
بل بالعكس فما زال مستقبل هذه المعلمة مبهمُُ وغير واضح.. بعد أن توقّف العمل بها.. وأصبحت بحكم ملكيتها الجديدة استثماراً عقاريا مغريا…لا شكّ أن فيلم ( كينكو) سيعود هذه المرّة إلى القاعة كبناية لدكها بشكل نهائي..
كهذا كانت الأخبار قبل ست سنوات.. وكانت ردّة المجتمع المدني بمختلف مشاربه حاضرا وبقوة للوقوف ضد هذا القرار… والحقيقة والتاريخ كان لجمعية ايزوران إلى جانب المدير الجهوي السابق للثقافة المختار الفاروقي دورا محوريا في تقييد القاعة كتراث وطني.. ولتوثيق ذلك أعود بكم إلى مقطع من مقالة لي بالمناسبة مؤرخ ب 03-12- 2015 (…هذه هي القناعة التي خرجت بها اللجنة المشتركة بين وزارةالثقافة والداخلية والتعميرالاسبوع الجاري هي ان سوليما السلام باكادير اصبحت ارثا مشتركا لجميع المغاربة…)
قناعة لم تأت صدفة او مجا ملة بل ان ملف القاعة ومنذ ثلاث سنوات كان هما نضاليا واستراتيجيا لجمعية ايزوران او كادير
والان وقد قيدت القاعة كتراث وطني عبر استصدار قرار من وزير الثقافة بهذه الصفة فان المعركة الحقيقية قد بدأت لاعداد ملف قوي للدفاع والترافع عن هذه المعلمة للانتقال بها من وضعية التقيد الى وضعية الترتيب وهي مرحلة متقدمة اذ ستكون محصنة عبر مرسوم صادر عن الوزير الاول وتدخل بذلك ضمن المآثر الوطنية المحمية قانونيا ..واذ نحيي بحرارة استماتة اعضاء الجمعية طيلة هذه الفترة بالرغم من الاكراهات المادية واشياء اخرى فان المطلوب اليوم العمل بحرفية لاعداد ملف دقيق ومتكامل من جميع الجوانب القانونية والثقافية وغيرها مما يعزز مكانة القاعة كتراث وطني وبذلك بالانفتاح على الخبراء في هذا المجال والاستعانة بالتجارب السابقة لبعض المدن ..).
واحد اسباب تواجدها الفعلي على الساحة من خلال استثمار كل المناسبات للتذكير باهمية هذه المعلمة المعمارية كشكل هندسي فريد من جهة اومن خلال ما وشمت به الذاكرة الجماعية لساكنة اكادير
والآن بعد خمس سنوات.. دخل موضوع هذه المعلمة صمتا رهيبا..وعلى جميع المستويات.. وتركت لحالها ومستقبلها الغامض.. حدّ الإعتقاد بأن الأمر مفكّر فيه ومخطط بالاعتماد على الوقت من أجل كسب الوقت..
هي خلاصات من تستفسرهم في الأمر حين يأتي الحديث عن القاعة وجل البنايات الأخرى المشكلة للذاكرة الجماعية.. بل في بعض تعبيراتهم فقدان الأمل بشكل مطلق..
والحال أنّ الحفاظ على مثل هذه المباني ليس موضوعا فردياّ أومدنيّاً فحسب بل هو من مسؤولية أصحاب القرار بالمدينة الذين فوّتوا على المدينة فرصة ذهبية لا تعوّض وهم يستعرضون البرنامج الحضري لتأهيل المدينة أمام أنظار جلالة الملك.. باقتراح اقتناء قاعة سنيما السلام…وخصوصا والبرنامج نفسه يتحدث عن الإنعاش الثقافي وتثمين التراث.. يتحدّث أيضا عن تأهيل ذاكرة المدينة… فهل هناك أبلغ وأعمق من هذه القاعة بكل رمزيتها التاريخية.. وهندستها المعمارية.. وانتسابها إلى ابن هذه المدينة الذين ساهم في الإعمار والانبعاث الثقافي بعد الزلزال.. الفقيذ يحيى إيدر…
هل هذا الإغفال جزء من هذا المخطط / الصّمت الرهيب.. والغريب أن هذا الأمر سيتكرّر عند المشرفين على تظاهرة الذكرى 60 لإعادة انبعاث أكادير…
ذاك الانبعاث المختزلة في معرضين مستقلين لصور المدينة لنفس الجهة المشرفة… أوفى هذه الجغرافية الضيقة بين قصر البلدية وساحة وليّ العهد.. لاغير!! ممّا يعطي الانطباع لدى الزائر بأن أكادير لا تملك أية شواهد من المدينة القديمة.. لتزداد الحسرة والتأسف لدى الأغلبية من ساكنة المدينة في ما تتعرض له بعض من مآثر المدينة من إهمال وطمس وتدمير.. كما هو حالة المنطقة التى توجد بها درج لاسطاس وتلك العمارة وبتصميمها العمراني المكشوف.. أو ثانوية يوسف بن تاشفين وعدم القدرة على تثمين هذه المعلمة كمزارات سياحية ثقافية باعتبارها ذاكرة عمرانية تربوية وبزخمها المعرفي والتاريخي..أيضا عمارة 7إطاج وغيرها..
هذا هو الإنبعاث الحقيقي للمدينة.. بصيانة ذاكرتها للأجيال القادمة…
لمدينة…- للأسف –
وبعد قفلها لستين سنة لا زالت لم تتحرّرْ من هذا اللوبي الذي ينظر إلى جغرافيتها كوعاء عقاريّ فقط.. ( والقادم من الأيام سيؤكد ذلك أكثر)
لمدينة..- بالأسف الشديد – البعض من أبنائها حين يكون مسؤولا.. لا يجد لذّته المرضية إلاّ حين يسوّي ربطة عنقه أمام أبناء من قبيلته
بل يفعل ذلك بالكثير من التعالي والإستقواء..
المدينة بمثل هذه النمادج.. لا تغتصب ذاكرتها فحسب بل حتّى مستقبلها..
يوسف غريب