أكادير24 | Agadir24 /تـفـروت لحسن
شهر رمضان فرصة للمشي عبر المدينة التي توسعت في العقدين الأخيرين بشكل كبير. في التجول بين شوارعها تتراءى لك المدينة بأمكن قوتها وضعفها، فالمدينة تعرف أورش التهيئة المجالية منذ سنة 2020، والتي كان من المتوقع أن تنتهي فقط بعد أربع سنوات.
اليوم يمكن أن تنتظر الساكنة من التهيئة الجديدة حلة جديدة تجعل المدينة في مراتب ومواقع متميزة. وبالفعل، لا ننكر الانجازات التي أنتجتها برامج التهيئة المحلية، على امتداد الأربع سنوات الماضية. هذه التهيئة شملت الفضاءات العمومية، من حدائق وطرق وإعداد ممرات الحافلات الجديدة وإعادة تبليط بعض الأزقة والإحياء، مع تجديد البنيات التحتية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي,,, وإنشاء مرافق عمومية جديدة في مجالات الصحة والثقافة والرياضة، كمنتزه الانبعاث والمركب الثقافي الموسيقي… هكذا تتكاثر المنجزات وتفصح عن جدواها وعن أهميتها وقيمتها.
لا عجب في ذلك، فبعد الزيارة الملكية، والرعاية الخاصة التي يوليها لها عاهل البلاد، كان من الطبيعي أن تخرج المدينة المعروفة بمدينة الانبعاث من رمادها، كأنها طائر الفنيق، بعد الزلزال المأساوي، من دمارها لتشهد نهضة جديدة بعد القول المأثور للمرحوم محمد الخامس الذي صرح فيه ب” لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بنائها موكول إلى إرادتنا وإيماننا “، حيث تم بناء أكادير الجديدة جنوب المدينة القديمة. وتميزت المدينة الجديدة بشوارعها الفسيحة وبناياتها الحديثة ومقاهيها، لدرجة تم اعتبارها مدينة سياحية مغربية بعد مراكش لشواطئها الزرقاء وسمائها الصافية.
وقبل مدة قصيرة بدأت تتزين من جديد وتتهيأ لانبعاث جديد، لتهيئة متحورة من الموجة الخامسة، بعد خمس موجات سابقة من التهيئة. فبعد تجارب المجالس السابقة بـتعدد ألوانها، وما رافقها من مشاريع لتنمية المجال والإنسان، أخرجت الزيارة الملكية الأخيرة مشروع التهيئة الكبرى (2020 – 2024 ). هذا المشروع، الذي تشرف عليه شركة للتهيئة تضم عدة متدخلين من مختلف السلط بالمدينة والجهة. ولقد استبشرت به الساكنة خيرا بالمبادرة التي تجسدت على أرض الواقع، بعد أن كانت مجرد صور هندسية..
لا يمكن نكران الانعكاسات الإيجابية التي ولدتها التهيئة على جمالية المدينة ورونقها. فلا شك أنها تجعلها مدينة تشرف ساكنة سوس والمغاربة. فرغم التأخر في الإنجاز، وبعض الإزعاج الناجم عن الأشغال، فإن المشاريع الجديدة ستمنحها وجها مشرقا جديدا، وتجعلها في مستوى التطلعات.
لكن هذا التهيئة الجديدة تعاني من عوائق متوارثة من زمن طويل، مما سيجعل كل المجهودات غير ذات أهمية، علما أن هذه المعضلات السيئة السمعة والقبيحة المنظر، ليست فقط من مسؤولية جهة بعينها، بل هي مسؤولية مشتركة لعدة مصالح وزارية، وحتى للقطاع الشبه عمومي، دون أن ننسى مسؤولية بعض البشر المفتقد لحس المواطنة.
يمكن لمن شهد بناء المدينة منذ انبعاثها بعد الزلزال، ولمن زار مدنا أخرى بالمغرب، والتي عرفت هي الأخرى تجربة التهيئة المجالية كمراكش والرباط وطنجة…، ولمن زار مدنا من خارج المغرب كتركيا او بعض الدول المكافئة، ومن خلال جولات قصيرة بالمدينة تظهر للعين المجردة بعض المعضلات الأكاديرية السلبية، ومنها ما يلي:
1 – سرطان دكاكين الشيشة: ابتليت مدينة أكادير، في السنوات الأخيرة، بتفشي دكاكين الشيشة في عدة مواقع. ونظرا لاحتجاجات السكان بالأحياء الشعبية، تفتقت حيل رعاتها، للتوطن في المناطق السياحية القليلة السكان أو الخالية منهم. هكذا نجد المعضلة تنتشر كالسرطان في الشوارع والازقة وسط المدينة وفي رئة متعاطيها. وتظهر للمتفقد الذي يمشي راجلا كيف أن شارع الحسن الثاني لوحده تهيمن عليه أكثر من عشر مقاهي الشيشة بما فيها ممر أيت سوس بخمسة وزنقة الليمون بثلاثة. وحتى بعد الأماكن التي كانت مقاهي عادية أو حانات تحولت لأماكن متخصصة فقط في الترجيلة، في الشيشة ومشتفاتها، وفي الشاي الملازم لها.
يصعب على الزائر أن يتعرف بسهولة على هذه الدكاكين، نطرا لأنها أماكن ذات واجهة سوداء مغلقة، والإنارة بها ضعيفة، ومدخلها أشبه بباب دهليز يقف أمامه فيدور أو أكثر. فباستثناء رائحة بخور المعسل، خاصة رائحة التفاح، لا يوجد دليل على أن المكان خاص بالشيشة سوى الدخان الذي يملأ جنباتها.
الشيشة بأكادير ظاهرة فريدة، وكأنها سوق تتجمع فيه دكاكاين لها زبناؤها. ولعل المتأمل لهذه الفضاءات الخصوصية تولد لدى الناظر إحساسات غريبة وتسبب القرف والاشمئزاز بسبب مناظرها المعيوفة. إن جولة ليلية رمضانية مثلا بجانب مقاهي الشيشة تصيب المتأمل بالصدمة، وتطرح الإستفهام عن الخطورة التي تنتجها الظاهرة، وأثارها على مستوى الصحة والفرد والمجتمع.
ليست فضاءات الشيشة مفتوحة للعوام من الرعاع أو سفلة القوم، بل بالعكس، فروادها من الخاصة وخاصة الخاصة ومن الفئات المتوسطة بينهما. ويظهر من خلال سيارات القوم المتميزة، وحتى الغالية الثمن، ولباسهم ومظهرهم الأنيق أنهم ليسوا من ذوي الهشاشة والفاقة المالية. وقد يكونون من ذوي العاهات والهشاشة السيكوسوسيولوجيا والنفسية. وفي ليالي رمضان، بعد صلاة التراويح، يكثر الإقبال على هده الأماكن مع الاحتفاظ بالجلابة والألبسة التقليدية التي تخص المساجد. إنها، بالفعل، معضلة، بكل المقاييس، بدأت تنخر الساكنة الأكاديرية. فهل من معالج؟
2 – أوكار المساج: انتشرت كالفطر، في العشر سنوات الأخيرة، بالمدينة ظاهرة أماكن مخصوصة تعرف فاللسان المتداول بمحلات المساج والتدليك والصونا. وتنتشر بمختلف أحياء المدينة مع التباين حسب الإقبال. وعادة ما تتوطن في الأحياء القريبة من وسط المدينة كالحي الصناعي (بوتشكات) وتالبورجت والغريب أن نصادف تمركز كثير من هذه المحلات بشكل مثير وغريب. ففي حي الباطوار مثلا تتجمع أكثر من عشر محلات غير متباعدة عن بعضها بشارع واحد. هنا نشير أن تمركز الدور التي تحوي هذا النشاط تتواجد بشارع واحد مثلا زنقة فاس التي تعج بهذه الدور.
أوكار المساج تهدد حياة الساكنة، وانفجار مسخن الماء من الحجم الكبير(الشوديرة) بإحدى الدور المتخصصة في التدليك، يشهد على خطورتها، خاصة أن الهيئة الهندسية والصحية لهذه الدور يخالف المعايير المعتمدة. ويكفي أن نشير إلى أن النشاط يمارس في دور ضيقة ما بين 48 و64 متر مربع، منازل حي بوتشكات مثلا، وفي أزقة أضيق.
وكما سبق أن فضحت بعض الروبرطاجات، على المستوى الوطني وعلى مستوى مدينة أكادير، فإن لمحلات الصونا والمساج انعكاسات سلبية وخطيرة اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا، سواء تعلق الأمر يالمجاورين لهذه الدور من سكان الحي، أو العاملات ضحايا الاستغلال البشع أو الزبائن والزوار… مما يجعل موضوع أوكار المساج ظاهرة متعددة الأبعاد. والتي تتطلب تدخلات متنوعة ومتكاملة للحد من خطورتها.
3 – احتلال الفضاء العمومي: سمعنا وشاهدنا مؤخرا كيف أن المدينة عرفت حركية متميزة وغير مسبوقة لمحاربة احتلال العمومي بعدة أحياء، وشملت الحملة عدة مواقع التي كانت لزمن طويل تهيمن على الأماكن المخصصة للراجيلن. ورغم هذه المبادرة المحمودة التي استحسنتها الساكنة، فإن إخطبوط اغتصاب الفضاء العمومي مازال قائما. ويظهر ذلك من زاويتين:
- أماكن السير والجولان: تزايد، بشكل ملحوظ، احتلال الطوار حتى على مستوى الطرق التي تم تحديثها وتجديدها. فنجد أن السيارات الخاصة أو العامة المستغلة لأغراض خاصة، وكذا الدراجات، في الليل كما في النهار، تركن فوق الطوار بشكل مكثف، فتغلق ممرات الرجلين، وترمي المواطن للمشي فرب الناقلات حيث يتعرض لأنواع الأخطار على الطريق. إن هذا السلوك المذموم أخلاقيا والممنوع قانونيا يعتبر مخالفة لقانون السير ويستوجب عقوبة، فهو يشوه أيضا منظر الحاضرة’. ويضاف لهذا الاحتلال ما يعرف بالتوقف المؤقت في الوضع الثاني المصحوب اشارة أضواء العطب، حيث أن بعض أصحاب السيارات يتوقفون في الوضع الثاني أمام محلات تجارية أو مخبزة للتبضع، مسببين في عرقلة السير وحجب الرؤية واحتجاج أصحاب الكلاكسون. وشوارع اكادير الضيقة أصلا تعاني من هذه الأمراض التي يسببها الحيوان الأنيق من خلال مخالفاته لقانون الطريق. فهل من منقذ؟
- هيمنة بعض المقاهي/المطاعم على الفضاء العمومي: رغم المجهودات المحمودة للسلطات لتحرير الملك العمومي على مستوى المدينة، مازالت بعض المقاهي/المطاعم تحتل الطوار وممرات الراجلين بطاولاتها وكراسيها المتنقلة التي تنشرها فوق الرصيف بشكل مفضوح. وهذا ما يستتبع إغلاق الرصيف في وجه المارة ودفعهم للتسابق مع الدراجات والسيارات في الطريق المخصص لها. ومثال المطاعم التي تغلق الطريق والرصيف، ومنها الكثير، نجد مقاهي ومطاعم ومقاهي بحي تالبورجت بشارع كيندي وبالشارع المقايل لمسجد تالبورجت…إنها مناظر تسيء للمارة وعموم الناظرين.
4 – أزمة المرحاض العمومي: يبدو أن هذه النقطة غير ذات أهمية، ويمكن أن يصنف البعض تناولها ضمن كلام التفاهة. لكن العكس هو الصواب؛ فموضوع المرحاض له أهميته وراهنيته بمدينة أكادير، وبالمغرب عامة. هنا نستحضر تجربة مدينة طنجة في الألعاب الأولمبية 2012، حيث تم اقصاء مدينة طنجة من التنظيم، بعد أن اكتشف الوفد الكوري الجنوبي عدم توفر المدينة على المراحيض العمومية. ولقد سبق للكاتب المصري سلامة موسى أن ربط نهضة العرب بعنايتهم بمرحاضهم، فتهم الاستهزاء به ونعثه بسلامة موسى المراحضي.
هذه الواقعة تبين أن مدينة أكادير تفتقر للمراحض العمومية، وحتى برنامج التهيئة الحضرية أغفل هذا المعطى. وللتوضيح نكشف عن بعض الفضاءات التي تم تجديدها واعادة هيكلتها والتي لا تتوفر إطلاقا على مرحاض أو ماشابهه. فمثلا شارع محمد الخامس باعتباره شريان المدينة، والذي يمتد لعدة كيلوميترات، لا يتوفر على مرحاض، وحتى المرحاض الوحيد، من الجيل الجديد، الذي تم اعتماده بمحطة الحافلات قرب العمالة، تم إغلاقه بسبب انعدام الصيانة والنظافة والأمن، وأصبح بناية مهجورة يتبول خلفها الناس لغياب البديل. ولا يختلف الأمر عن كل الشوارع التي تم تجديدها وإعادة تهيئتها الحضرية. فما المانع من اعتماد إستراتيجية مماثلة لما تم في تجديد الحدائق العمومية، مثلا حديقة ابن زيدون، خاصة إقامة مراحيض عمومية أو دورات مياه مقبولة، نظيفة، تشملها الصيانة والنظافة والحراسة الأمنية.
5 – الروائح الكريهة والازبال: قد تفاجئك روائح قنوات الصرف الصحة الكريهة، بسسب توقف المياه العادمة، فمثلا في مواقع عديدة بالمدينة تسود رائحة كريهة منبعثة من القارورات المنكسرة أحيانا، أما الأزبال ففيها كلام كثير، رغم مجهودات عمال النظافة وعجرفة بعض البشر النرجيسي والأناني.
6 – المتشردون والمتسولون والمختلون عقليا: ابتليت المدينة مؤخرا بازدياد عدد المتشردين والمتسولين والمختلين نفسيا وعقليا منهم الخطيرون، فتصادفهم في لاكورنيش وفي وسط المدينة وفي غالبية الأحياء وبساحة الحافلات والطاكسيات…إنهم جحافل تهدد الأمن العام وتسيء لسمعة المدينة، خاصة أمام السياح. وكمثال ساحة السلام حيث يصيبنا الاشمئزاز من مشاهدة أطفال صغار، ذكورا وإناثا، يتجمعون بالعشرات قرب مكتب الزا بالباطوار وهم يشمون الدوليو والسيليسيون في النهار والليل وحتى في رمضان في واضحة النهار. هذا الواقع يعاد أسئلة الحماية الاجتماعية والإدماج الاجتماعي ومحاربة الهشاشة بمغرب اليوم.
7 – غياب الصيانة: رغم التاريخ القصير للمدينة الجديدة والمجددة، يتبين أن مشكلة صيانة المنجزات، التي تصرف عليها الملاييير، تبقى قائمة. فالمجالس السابقة كانت تنجزت مشاريع هامة، لكن سرعان ما كانت هذه المشاريع تؤول للخراب بسبب غياب الصيانة والمراقبة. يكفي أن نستحضر ما تم انجازه سابقا. واليوم يعاد انجاز حدائق وطرق ودور للثقافة وكهرباء وو…، لكنها مهددة بالخراب مادام لم يفكر في صيانتها بشكل جدي. فمثلا ملاعب القرب هي قيمة مضافة للمدينة، وفي صيانتها حفاظ على هذه القيمة المضافة وهذا الرصيد العمراني.
8 – الفتور الثقافي الجاد: بعد أن كانت أكادير مدينة الانبعاث الثقافي، ورغم شح الموارد والإمكانيات، بدأت أكادير تشهد فتورا ثقافيا جليا. فرغم أنها مدينة جامعية، بدأت المؤسسات والجمعيات تتراجع إلى الوراء في المساهمة الثقافية المنتظمة مقارنة بالسنوات العشر الماضية. لهذا فحتى التهيئة الثقافية ضرورية للحد من نظام التفاهة والغباء الرقمي والاحتفالي .
هذه مجرد بعض المشاهد التي ولدتها جولة رمضانية قصيرة بمدينة الإنبعاث. هذه المدينة التي تنتظر المزيد من المبادرات التنموية ليعود لها بريقها ورونقها.